لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

الثلاثاء، 24 مايو 2016

نحن والآخر (رأي)

قد لا أكون مؤهلا  ــ فلسفيا ــ لتبسيط  مفهومَيْ " نحن " و "الآخر " ، وقد لا يكون القارئ مهتما ـ هو أيضا ـ بفلسفة المفهومين ، غير أن الأكيد هو أنني والقارئ وكل موريتاني قد ركبنا جميعا ـ باسم الله مجراها ومرساها ـ في سفينة هذا الوطن التي انطلقت مبحـرةً صبيحة الـ 28 نوفمبر من عام 1960 م في رحلتها الأبدية بحثا عن مكان لها من الإعراب داخل مدينة الوجود المكتظة بالإنسان والحيوان والجماد ...

 فما بالُ " أقـوام " في سفينتنا يحاولون نـفـي " الآخر" وإقـصـاءه من غير اكـتـراث  بأحاسيسه أو شكاواه ؟ ، ألم يـع  هؤلاء أن الاختلاف قـوة ، وأن الخلاف هـوة ؟ ، ألم يتدبروا الكون ويتأملوه ويتفكروا فيه ؟ ...

لقد خلق الله آدم كما حواء ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، وسخـر لهم الكون سبيلا للنهوض بأمانة الاستخلاف ، وجعـل طريق تأدية الأمانة يبدأ بالفرد و يمر بالمجتمع وينتهي إلى الخليقة ، فكانت ــ إذن ــ مهمة جماعية بامتياز ؛ إذ يستحيل على " الظلوم الجهـول " أن يقـوم يـتـكـلـيـفـه ــ ذاك ــ  بمنأى عن أخيه الإنسان ، بل لا بد ـ لتحقيقه ـ من الجهـد الجماعي المؤسَّـس على التعارف لا التناكر، والتآزر لا التنافـر ، والتناصح لا التناطح ، والتشارك لا الإقصاء ، والتعـددية لا الأحادية ...

لم يكن إنساننا الموريتاني ـ يوما ـ معـفـيا من جانبه التعميري على أديـم أرضنا الوطنية الحبيبة ؛ فبلادنا ما فتئت تـحـتـاج إلى إنسانٍ " مواطن " مخـلـص ، غـيور ، متفانٍ في خدمتها ، مؤمنٍ بضرورة وجـودها ، قائـم  بـواجـبـاتـه اتـجـاهـها ، فخـور بانـتـمـائه إليها ، مُضَح في سبيلها بكل غـالٍ ونـفـيـس ، كما أن " المواطن " ــ هو أيضا ــ بحاجة ماسة إلى دولة قـوية تضمن له الأمن ، والمأكل ، والمشرب ، والملبس ، والمسكن ، والمقرأ، والمشفى ، والشغل ، والعـدل ، والمساواة ...

إن كلا من "المواطن" و "الدولة" يتبادلان مجموعة من الحقوق والواجبات التي يتعـين على كليهما الحرصُ على استيفائها لصالح اللآخر ، كما أنه من اللازم على " السلطة " القائمة أن تمسى وتصبح وتظل وتبيت في خـدمة " المواطن " الذي خـوَّلها السلطة ومنحها سبب الوجود ، لا أن يكون "المواطن" في خـدمة "السلطة" فتكون العـربة أمام الحصان !

لقد كان الاستقرار ــ وما زال ــ شرطا أساسا في قيام أية تنمية أو رخاء ، ولتحقيق الأمان والسلم الأهليين ، فقد اختارت البشرية  " الشورى الديمقراطية " كأرقى نظام سلمي يُـمَكن من تداول السلطة بطريقة هادئة وسلسة تمنع حدوث انزلاقات خطرة قد لا تحمد عقباها ، وبناء على ذلك ، فإن أية دولة لا تنتظم في سلك التعددية الديمقراطية النزيهة ، ولا تعمل على ترسيخ دولة المؤسسات في ذهـنية مواطنيها ، ولا تعـزز ثقافة الحـوار بين فرقـائها الوطنيين  بعيدا عن ثـقـافـة الإقصاء والتخويـن ، لهي دولة هزلية هزيلة أُسـوتها "النعامة" التي تـدس رأسها في التراب  حـلا  لمشاكلها المتفاقمة والمُـحـدقـة !

 إن ولاء "المواطن" لـنـفـسـه ، أو طائفته ، أو عـشيرته ، أو جهته ، أو عـرقـه ، أو أي شيء آخـر يتناقض مع مفهوم " المواطنة " الصرفِ لن يكون سوى دقّ عـطـرِ " أم منشم " بين مكونات شعينا المُسالم ، بل سيكون دقـا لآخـرِ مسمارٍ في نعـش دولتنا الفـتـيـة .

إن تحـول الشعب إلى جـوقـة من المزمرين والمطبلين على خـشـبـة مـسـرحـيات المتجـاســريـن على مصلحة بلادنا العليا ليفـضحُ ــ بشكلٍ صارخ ــ زيـفَ ادعاءاتِ حـبهـم لهذا الوطن  والذودِ عن حياضِه ، بل إن الوطن لتتعالى أنّاتـه ، و تـتـفـطـر كـبـدُه  حـسـرةً على فلذاتها التي تُـظـهـر الولاءَ للوطن و تُـضـمـر الكـفرانَ بمصالحـه ، فما هذه الظاهرة المتـفـشـيـة ــ للأسف ــ بين كثير من أبناء وطننا العـزيز إلا خصلة من نفاق ندعوا الله مخلصين له الدين أن يُعافي مرضاها الذين طالما تداعى ــ لأجلهم ــ  الخيرون من أبناء وطننا بالسهـر والحمى .
إن لهذه الربوع في أعناقنا لديْـنــًا يـجـب أن نـسـارع إلى تـأديـته وقضائـه ؛ فـلـنـحـرصْ ــ قـمة وقاعـدةً ــ على سلامة الوطن وتعميره ، ولـنـتـشـبـثْ بمصلحة البلاد العـليا تـشـبـثَ الغـريـقِ بطـوقِ نجاتـِه ، ولـنـُــقــصِ من قاموسنا السياسي مـبـدأ : " مَن ليس معي فهو عـدوي " 

ولـنـتـبـنَّ المبـدأ القائل : " رأيي صواب يحـتمـل الخــطـأ ، ورأي غيري خـطـأ يـحـتمـل الصواب " ، فالمؤمن مرآة المؤمن ، ونصفُ عقلك عـنـد أخــيـك ، وقديما قال الفيلسوف " دلـيـز " : ( في غـياب "الغـيـر" لا يعـود الوعـي وموضوعه سوى شيء واحـد ؛ فـتختـفي إمكانية الخـطـأ )  ، حـيـنها ــ عـزيزي المواطن ــ سـتـغـيـب الألوان الـقـزحـيـة الجـميلة للرأي الآخـر في وحـل الأحـاديـة الباهـتـة ، فـتـعــشــوشــب نــبــتــة ُ" الدكتاتورية" بـرائــحــتــهــا الــنــتــنــة ، وطــعــمِــها الأجــاج  ، ومــنـظـرهـا المُــخــيــفِ الــشــبــيــهِ بـرؤوسِ الشـيـاطـيـن ! .
                                                  ************  
                                    بقلم   عـبـد الناصر بن محمد المصطفى .           


0 التعليقات:

إعلان