غرائب الساسة وسياسة الغرباء (رأى)

د. يحى ولد الصغير

غريب أمر هذا الرجل المسمى ولد أوداعه، وأغرب ما في أمره أنه يبني جميع وجوده وبقائه السياسي على البلاغات الكاذبة (BR)، والإساءة للآخرين، جميع الآخرين ولو كانوا من أقرب الأقربين، أو أصحاب الفضل عليه بل وحتى الإساءة إلى النظام الذي يتخذ من ولائه له درعا واقية لحماية نفسه، وحصان طروادة لتحقيق مآربه.

*في البدء وعند أول صعود للرجل – بالصدفة- إلى الواجهة السياسية إثر الإطاحة بنظام ابن عمه ولد الشيخ عبد الله، أساء الرجل إلى الحزب الذي صعد منه إلى واجهة الأحداث (حزب التكتل)، وقلب ظهر المجن لرئيسه ولد داداه رافضا الانصياع لأوامره بالخروج من حكومة ما قبل انتخابات 2009 بعد قرار الحزب سحب دعمه السياسي لتلك للحكومة.

*ثم أساء الرجل إلى عمه (المرحوم الكوري ولد أوداعه) الذي كان السبب المباشر في تعيينه في تلك الحكومة، وتنكر لذلك الوالد وللمثقفين من أبنائه مخافة أن يصبحوا منافسين سياسيين محتملين له.

* ثم أساء الرجل إلى مجتمعه عندما تعمد أن يصنفه على أنه مجتمع معارض بكامل عناصره للنظام الجديد، وأنه ميئوس من التصالح معه وفي سبيل أن يبقى ولد أوداعه منفردا بتمثيل هذا المجتمع لدى النظام، ظلت هذه الفرية أيقونة الرجل، ومعزوفته التي يعزف على وترها كلما أراد الإطاحة بأحد أطر هذا المجتمع المعينين أو الحيلولة دون صعود أطر وأعيان هذا المجتمع حتى تم إقصاؤهم جميعا من أجهزة الدولة؛ وبقي وحده منفردا في تقلد المناصب السامية في النظام الجديد.

*ورغم تبجح الرجل للنظام بالولاء فقد أساء إليه إساءة بالغة بمحاولة حرمانه من التمتع بدعم قاعدة شعبية عريضة في صفوف هذا المجتمع فعندما شرع النظام الجديد في تأسيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سارع ولد أداعه إلى احتجاز العداد المسئول عن عملية الانتساب وأجبره على البقاء في منزله ومنعه من تسجيل أي وحدة خارج نطاق أفراد عائلته أو المقربين المؤتمنين على الولاء له، خوفا من أن تتشكل أغلبية حزبية من المجتمع تفقده السيطرة على زمام المبادرة في الدوائر الحزبية المحلية؛ ضاربا عرض الحائط بمصلحة النظام في توسيع دائرة التأييد له داخل المجتمع؛ ومعليا مصلحته الخاصة في إقصاء الغالبية الساحقة من المجتمع من صفوف الحزب.

*وإبان كل الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية إلى المقاطعة، كان ولد أوداعه يبذل الغالي والنفيس، ويمارس كل أنواع الضغوط - بحكم موقعه الوظيفي- على الأجهزة الإدارية والسياسية والأمنية من أجل منع أعيان المجتمع وأطره من مقابلة رئيس الجمهورية، أو المشاركة في موكبه، أو حتى استقباله، حفاظا على استمرار انفراده بالتمتع بامتيازات النظام والاستئثار بإعلان الولاء له... مبررا كل ذلك بجملته الممجوجة (ذلك شخص معارض).

*الإساءة إلى المجتمع من طرف هذا الرجل فاقت حدود الاحتمال ففي الاستحقاقات البلدية الحالية، وأمام تدني شعبية الرجل في محيطه الاجتماعي المحلي بادر ولد أداعة إلى استغلال بعض عمال شركة اسنيم والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ليتم تسجيلهم في بلدية أغشوركيت في مختلف مكاتبها لدرجة أنّ ثلث المسجلين في اللائحة الانتخابية لهذه البلدية أضحوا من الأجانب على هذه البلدية وبالتالي أصبح إقرار مصير البلدية، واختيار عمدتها من اختصاص سكان الزويرات وانواذيبو وافديرك وانوامغار، وغيرهم من الغرباء الذين لم ولن يروا هذه البلدية الوادعة إلاّ يوم التصويت أقول لم يروا هذه البلدية قبل يوم التصويت لأن تسجيلهم على اللائحة الانتخابية تم بدون حاجة أصلا إلى حضورهم لأنهم كانوا قد سجلوا فقط بواسطة بطاقات التعريف التي استجلبت للتسجيل قبل حضورهم يوم التصويت وفي أحيان كثيرة سجل هؤلاء على اللائحة بعد انتهاء الآجال القانونية للتسجيل وذلك ما جعل سكان بلدية أغشوركيت يقفون مشدوهين يوم التصويت أمام تفاجئهم من الطوابير الطويلة من أناس غرباء لا علاقة لهم بالمنطقة؛ جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويختاروا عمدة أو نائبا برلمانيا لقوم آخرين في مشهد مشابه لما كان يحدث في إسرائيل (فلسطين) أيام التهجير والاستيطان واحلال سكان مكان السكان الأصليين بواسطة عصابات (الهاجانا).

*الرجل النرجسي شمل أيضا بالإساءة رجلين من أكثر الناس فضلا عليه هما:

الشيخ سيد المختار ولد الشيخ عبد الله الذي ترعرع ولد أوداعه وزاول أهم مراحل دراسته في منزله أيام كانت المحروسة شقيقته ربة المنزل وهو الذي يرجع إليه الفضل في تشغيل ولد أداعة في اسنيم أول مرة قبل أن تتم إقالته بسبب التهم التي وجهت إليه ببيع بعض أجهزتها الميكانيكية.

أما الرجل الثاني فهو محمد محمود ولد أغربط الذي كان ولد أوداعه وجميع أسر أهل أوداعة جزءا من جماعته لفترة طويلة من الزمن ظل فيها محمد محمود مآويا ومحتضنا ماديا ومعنويا لتلك الأسر في ساعات العسرة الطويلة ويرجع إليه الفضل في إنقاذ شقيق ولد أوداعه المصطفى من الهجرة والسجن، بعدما سحب مبالغ طائلة من البنك الليبي الذي كان يعمل به، وهاجر إلى المغرب ولم يستطع العودة إلى البلاد إلا بعد أن سدد ولد أغربط تلك المبالغ.

*قذافي أغشوركيت حريص كل الحرص على تحقيق العدالة في الاساءة إلى الجميع، لذلك لم يكن ليستثني من إساءاته شركاءه في السياسة بالضرورة أقول بالضرورة لأن الرجل لا يؤمن بالشراكة ولا بالجماعية في أي شيء فهو على غرار القذافي.

فرد منفرد ومتفرد. وإذا ما اضطر إلى الشراكة مع أي كان فذلك فعل مؤقت بطبيعة الحال ريثما يحقق ما يريد أو يفشل فيه. ثم ينفرط العقد بعد ذلك آليا ودون سابق إنذار.

ومجمل القول في هذا الموضوع أن تجربة السنوات الخمس الماضية التي فُرض فيها هذا الرجل على المنطقة أظهرت حقائق أساسية لا يمكن لأي جاحد التغاضي عنها أو القفز عليها ويتعين على النظام أخذها بعين الاعتبار.

الحقيقة الأولى هي: أن أخونا المسمى محمد عبد الله ولد أوداعه لم يكن ولم يستطع ولن يكون واجهة سياسية لهذه المقاطعة حتى ولو كدس أموال قارون واستقدم ياجوج وما جوج وبالتالي فليس هو العنوان السياسي الصحيح لهذه المنطقة فقد أخليت له الساحة السياسية زهاء ست سنين يصول فيها ويجول وحده وبإمكانيات مادية هائلة ووسائل تشغيلية استثنائية ودعم لوجستيكي من جميع أجهزة الدولة ومع كل ذلك فشل فشلا ذريعا في استقطاب سكان هذه المنطقة أو حتى أن يكون مقبولا سياسيا لدى أهلها ولم يبق أمامه في أول اختبار لشعبيته سوى استبدال السكان الأصليين بغرباء يصوتون له عند الطلب (أنظر إن شئت اللائحة الانتخابية لبلدية أغشوركيت) وهو حل سياسي فاشل ولا ينبغي للسلطة أن تقبل به.

الحقيقة الثانية: إن ثلة من شباب أغشوركيت، وقلة من السياسيين الذين قبلوا دعمها مشكورين؛ استطاعوا في ظرف عشرة أيام فقط أن يهدموا بيت العنكبوت الذي ظل ولد أداعة يبنيه سياسيا طوال ست سنوات، وأن يقلبوا الموازين السياسية القائمة في المنطقة رأسا على عقب وبدون أي وسائل مادية تذكر (عشرة أيام هي الحد الفاصل بين قبول ولد أغربط لطلب الشباب بالترشح مدعوما من الإخوة الفضلاء الشيخ سيد المختار وسيدامين وبين يوم الاقتراع في 23 نوفمبر).

الحقيقة الثالثة: إن المغالطة التي يريد من خلالها ولد أوداعه إيهام النظام أن الصراع السياسي في المنطقة إنما هو قائم بينه من جهة وبين تحالف ولد أغربط والشيخ سيد المختار وسيدامين من جهة أخرى؛ تهدف بالأساس إلى تضخيم الخصم لتبرير الفشل وهي مغالطة باطلة بطلانا مطلقا لأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يعلم علم اليقين أن هذا الصراع قد نشأ مع نشأة الحزب نفسه إبان تأسيس الوحدات عندما حاول ولد أوداعة إقصاء بعض الفاعلين السياسيين من الشباب في أغشوركيت من التمثيل داخل دوائر الحزب المحلية والوطنية.

وبالتالي فإن الصراع قائم في الأصل ومنذ أربع سنوات داخل الحزب نفسه بين ولد اوداعه من جهة وتلك المجموعة الحزبية من الشباب من جهة أخرى، وهوالصراع الذي بقي مستمرا منذ ذلك الوقت وتجسد خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة بإقصاء مجموعة الشباب من الترشيحات الحزبية مما اضطر بعض هؤلاء الشباب إلى الترشح للاستحقاقات البلدية والنيابية من داخل أحزاب أغلبية أخرى دون علم أو معية أو أي إسناد من الفاعلين السياسيين الثلاثة الكبار أصلا.

كما أن محاولة ولد أوداعة إصباغ صفة المعارضة على كل من الشيخ سيد المختار وسيدامين ومحمد محمود ولد أغربط هي محاولة يائسة سخيفة لأن النظام يعلم أن ولد أغربط والشيخ سيد المختار لم يكونا أبدا ضمن صفوف المعارضة وأنّ سيدامين عندما كان في المعارضة كان يجاهر بذلك ولا يخفيه وأنه عندما قرر الدخول في النظام أيضا جاهر بذلك ولو كان له رأي غير ذلك لجاهر به ولن تنجح البلاغات الكاذبة لولد أوداعة في طمس هذه الحقيقة.

صحيح أن هذه المجموعة الشبابية وجدت أخيرا- (بعدما تم إيداع اللوائح البلدية والنيابية وشارف الوقت المخصص لتغيير أسماء المترشحين بالنيابيات على نهايته)- دعما ومؤازرة سياسية من هؤلاء الرموز السياسيين المرموقين متمثلة في قبول ولد أغربط للترشح مشكورا، وفي قبول الشيخ سيد المختار وسيدامين لدعم هذا الموقف ألف مشكورين، ولكن هذا الموقف جاء أولا متأخرا جدا لأن الجميع كانوا يعملون على الدخول في معركة الانتخابات من داخل دائرة الحزب (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية) وليس من خارجها، ثم إن هذا الدعم ظل في خانة الدعم فحسب ولو ألقى الثلاثة بكامل ثقلهم في المعركة الانتخابية لتغير الموقف كليا، وتغيرت معه النتائج من الشوط الأول.

الحقيقة الرابعة: إن الرسالة الواضحة التي آن للنظام أن يفهما دون تحفظ، أو تشكيك، أو تردد؛ هي أن سكان هذه المقاطعة وسياسييها شيبا كانوا أو شبابا يدعمون بدون أي تحفظ البرنامج السياسي لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز الذي يرون فيه ضمانة للاستقرار والسلم الاجتماعيين المثلين للبنة الأولى لهرم البناء التنموي الشامل، ولكنهم يعارضون بالقدر نفسه من الحزم معارضة مطلقة لا رجعة فيها ولا هوادة، أن ُيفرض عليهم أن يتم تمثيلهم في النظام من قِبل ولد أداعة.

ومهما كان الدعم الذي يلقاه هذا الرجل من طرف ولد مكت الذي يتقاطع معه في محاولة تنفيذ أجندة سياسية محلية لا تخدم سوى المصلحة الشخصية لهذين الرجلين وبعيدة كل البعد عن مصلحة الحزب أومصلحة النظام، فإن جدارا منيعا من الصد سيكون بالمرصاد لتنفيذ هذه الأجندة أوفرض هذا الاختيار.

لقد أخطأ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ممثلا في رئيس بعثة المقاطعة عندما أراد التنفيذ الحرفي لإرادة ولد أوداعه وسياسته الاقصائية -(تحت تأثير المصالح الشخصية)- ضد مجموعة من الشباب الحزبيين الذين كان مطلبهم يتلخص في الحصول على مجرد التمثيل في المجلس البلدي لكتلهم الانتخابية. 

وهاهم هؤلاء الشباب يفرضون اليوم حضورهم في المجلس البلدي بقوة الصوت الانتخابي وبأضعاف مضاعفة للعدد الذي كانوا يطالبون به لتمثيلهم إبان التشاور مع الحزب وهو ما كان بمقدور الحزب أن يتجنبه لو أنه كان يريد تحقيق المصلحة العامة للحزب والنظام وفي ذلك عبرة لمن كان يعتبر أو ألقى السمع وهو شهيد.

تصنيف : المقالات