لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

حكايات محمذ سالم (رأي)

الأستاذ المرتضى ولد محمد أشفاغه

لم يبق رمل أبيض أو أسود إلا غرس فيه محمذ سالم رجليه وحل فيه قصره زاحم نينان محيطات الأطماع فابتلع مرجان البحر وهياكل السفن الغارقة..... صارع قردة الغابات على "تيفنكران" فالتقط السليمة والعوراء.. طارد الكلاب والنسور عن جيف الاعنز الجرباء ....غالب الخنازير البرية على بقايا شوك القتاد المتوارية بين حجارة الأجداث, فتشققت أشداقه وسالت الدماء تخضب لحيته وعارضيه .....

لزقت بين أصابعه أشساع النعال لمواصلة الترحال.... ولصق ذقنه على ترقوته من طول ما نظر إلى أسفل ليرى درهما تسلل من تكة بخيل... لاحظ جلاسه على وجهه مسحة حزن وجهومة حتى شبهوه بابن قزعة الذي يقول فيه بشار:

ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه            مخافة أن يرجى نداه حزين

رغم جده المجدب وحظه العاثر  استطاع محمذ سالم أن يحافظ على هندام مقبول... دراعة من بزاه (درجة متوسطة)... نعلين ينتميان إلى أعلى السلم الطبقي للنعال.... ساعة يد يجعلها في يمناه لأنه "امعسر" وهي صفة يزعم أنها للموهوبين والعباقرة.... يدعي أن له صداقات وأعمالا مع أجانب يحرص على لبس البذلة في المدينة, ويدعي أنه استوردها من "الخارج" إلى أن جرت سفينة دعاويه بما لا يشتهي, دخل أحد أعضاء حلقته في "لخيام" عليه في حانوت لبيع "افوكوجاي" ورآه في غرفة تجريب الملابس.... فبادر – وقد سقط في يده قائلا – هل تعلم يا فلان أن اللباس الجيد لا يوجد إلا عند باعة الملابس القديمة, إنا والأروبييون وبعض العرب اكتشفنا ذلك منذ أيام......


محمذ سالم رجل ناقم... يضمر حقدا لم تستطع الليالي الباسمة أن تمحوه من قلبه فهو محارف مكدود لم يفلح في حرفة له زاد علمي محظري وعصري لم يجلب إليه منفعة لذلك رأى أن الدنيا الحقيرة الغدارة تبخل عليه بنعيمها وتضن برخائها إلا على الذين هم أراذل الناس وشذاذ الآفاق...


كان جلاسه في الغالب يصغرونه سنا وعلما وكانت أحاديثه المسترسلة وأحكامه وفتاويه التي يطلقها دون اكتراث بالدليل - لأنه آمن في مجلسه من الملاحقة العلمية - تسحر هؤلاء البسطاء وهم يشاركونه كراهية أهل الحظوة والمنعمين كان يتلذذ بتشويه من يرى أنهم أسعد منه حظا يتمنى أن تزول النعم عن أصحابها  ويراهم غرقى بين المصائب والنقم وكان ينتقم لنفسه بإذاعة قصص يطمع أن تكب رجالا بسمت لهم الأيام, - وأرته هو عبوسة وجهها- على مناخيرهم في وحل الفضائح والرذائل وكثيرا ما ينطلق بعد حران  وينبجس بعد رشح ...طبعا لسانه لا يده ...

قدم ذات يوم من المدينة بعد سفرة بائسة استعمل فيها ما أوتي من أساليب الاستجداء المدعوم بالاقذاع أطلق لسانه يرعى في أعراض القوم ويطعس كل عوراء من الكلام .... قاء كثيرا.. ولطخ أسهال لسانه كل بريء لكنه كذلك لم يفلح فى التصيد  بالسباب والإرجاف....


قال محمذ سالم وقد قرر أن يأخذ بثأره ممن ضحكت لهم الحياة بكشف ما أخفته الليالي ووارته الأيام قال وهو يعرك جمله :هل تعرفون "احميميد" الذي يدعوه القوم اليوم زعيما ويتسابق رجال المسجد للسلام عليه؟ هذا كان يأكل لوحه.... كررها لما رأى الحيرة طافية على وجوه المتحلقين حوله... فتابع: كنا عند لمرابط نيفا وثلاثين نفرا وفوجئنا ب"كتبة" احميميد تصبح كل يوم ممحوة من لوحه وتحل محلها آثار غريبة كأثار أخفاف الحيران على الحصباء الناعمة - ذلك ربما لاتعرفونه أنتم أهل هذا الزمان - هي إذن كرسم بزاه الصين الذي يلبسه الملعون "اسويد"هذه الأيام .....

فقال قائلنا إن الجن تسري على لوحه... وقال بعض إن الجن تخاف من القرآن هددنا لمرابط واتهمنا بالكيد ل"احميميد" رغم أنه لم يستطع حفظ سورة البينة, حتى قال له لمرابط أنت شقي وهذه السورة لا تمكث في صدور الأشقياء.... رغم ذلك توعدنا لمرابط وهددنا وكان هو الآخر خائفا من تكرار الظاهرة حتى اكتشفنا أنه خلال ذلك الأسبوع نفد الصمغ الذي كان لمرابط يصلح به حبر الكتابة فعوضه بقطعة صغيرة من السكر... وكان احميميد ينزوي بلوحه ليلحس كتبته يتحسس طعم السكر... هل رأيتم هذا الحقير القبيح؟ إنه يمتلك السيارات والقطعان والفيلهات الجميلة... هذه ليست حياة.... وهذه ليست دولة...


وهل تعرفون "امحيفيظ" الذي يتقلب  بين المناصب السامية اليوم  وتزاور عنا وتقرضنا ذات اليمين وذات الشمال؟ أنا الذي غششت له في (لبريفى) ...وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان لقد حللت له تمارين الحساب  وأعربت له الجمل وكتبت له القرآن على كمه... كان دائما ذيل الراسبين..... ولما كنا في الابتدائية كان يسبق فرق الكنس إلى الفصل ليأكل "عداتنا" وهي سبحات طويلة من "امبسكيت" والتمر الرديء الصلب ينظمها المعلم في خيط ويعلقها على جدار الفصل ليشرح بها دروس الحساب كان امحيفيظ يأتي الكسرة والتمرة من أطرافهما حتى لا يبقى منهما غير الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلك كان شيطانا ماهرا في صنعته كنا نسميه "الفار" ... أريتم أن مثل هذا لايستحق أن تعينه الدولة في منصب.... لكنها الدنيا الدنية التي لا تزن عند الله جناح بعوضة..... هذه ليست حياة...وهذه ليست دولة....


هل تعرفون "امزيدف" صاحب الحظوة والمقام والحوانيت على رصيف العاصمة وقد سمعتم أن والد خديجة فضله علي هذا الرجل أغرل.. وعند الختان يكرم الرجل أو يهان.. عندما أكمل الشيخ محمود عمليته.... وجاء دور امزيدف صاح مغضبا:.... هنو ابنكم لا تدركه الأبصار, ولا تقدر عليه المناقيش.... أنا لم أر إلا نتوء دقيقا كلسعة البعوضة خلتها أولا حبة من "لحمير" ملتصقة أسفل بطنه.. هذا بنت.. أنا لا أختن النساء... فردت والدة امزيدف غضبى: ابني طفل نبيل ذو حسب ونسب وليس مثل هؤلاء الحمير وأبناء الزناء...


امزيدف يا إخواني ولد خداج ألقته الرحم بعد أن خافت من صورته هل أيقنتم أن الحياة اليوم غدارة فاجرة.. هذا العنين الأغرل يقيم في كل موسم عرسا تغني فيه الملاح حتى الصباح.. هذه ليست حياة.. بطن الأرض خير من ظهرها للرجال الأقحاح... لاحت الطلائع الأولى لفجر جديد.. انفض المجلس... وتفرق القوم وإنهم ليحنون إلى الاستزادة من أحاديث محمذ سالم...


0 التعليقات:

إعلان