![]() |
عبد العزيز ولد غلام/ كاتب صحفى |
(رأى) بحكم الموقع الجغرافي لجارتنا الشقيقة
الجمهورية المالية التي ظلت تربطنا بها علاقات على مستوى رفيع, عززتها علاقات حسن
الجوار والتبادل
التجاري بين بلدينا الشقيقين دون مخلفات سلبية على أي من البلدين, شأنهما في ذلك
شأن العلاقة مع السنغال التي تشكل مع البلدين ثالوث غرب إفريقي منسجم.
ورغم التباين بين الدول الثلاثة في الكم
والكيف من حيث البنية التحتية وطرق صيانتها وطبيعة التضاريس ومخلفاتها ظلت الشقيقة
جمهورية مالي بحكم خصوصية موقعها تفتقر إلى موانئ بحرية, وهذا ما جعلها توقع
اتفاقا مع
جارتها السنغال التي تتوفر على ميناء بحري من أكبر الموانئ الإفريقية وبموجب هذا
الاتفاق تفرغ البواخر المالية حمولتها
في ميناء داكار ليتم نقلها إلى باماكو, وباقي الولايات والمدن المالية عبر
طرق سنغالية متعددة ومتطورة, والتي تتوفر لها وسائل الصيانة المتوفرة
المعززة بالآليات والرقابة, إضافة إلى تفعيل دور نقاط التفتيش للمسافرين والبضائع
بشكل روتيني. إلا أنه سرعان ما تغير محور التبادل التجاري المالي من سنغال إلى
موريتانيا, وخاصة منذو إنجاز طريق لعيون ـ كبن ـ أنيور, في مالي والتي سهلت التنقل
إلى العاصمة نواكشوط عبر طريق الأمل الشريان الطرقي الوحيد في البلاد, والذي أنشئ
منذو سبعينات القرن الماضي, حيث يربط البلاد من غربها إلى شرقها على امتداد طول
1100 كم,
ولا يتجاوز عرضه 6 أمتار فقط, ويعاني من هشاشة البنية وتأثير عوامل تنوع التضاريس
والبيئة والمناخ, وانعدام وسائل الصيانة وضعف نقاط التفتيش.
وفي ظل هذه الظروف أصبحت البضائع المالية
تفرغ في ميناء نواكشوط المستقل ليتم إيصالها إلى جمهورية مالي عبر هذا الشريان
الطرقي الوحيد, دون الأخذ في الاعتبار خصوصيات الطريق, الأمر الذي ساعد إلى حد بعيد في تهالك طريق الأمل, مخلفا العديد من الحوادث المروعة بسبب الشاحنات المالية ذات الحمولة العالية
" 70 طنا "من وإلى مالي,
والتي كثيرا ما تصطدم ببعض السيارات الموريتانية بفعل عامل السرعة, وتارة تسد
الطريق بسبب عجزها عن الصعود على إحد ى الهضاب والمرتفعات
كمرتفع "جوك "أو إحدى الهضاب الواقع مابين ألاك وأبي تلميت ونواكشوط .
وقد تسبب هذا الوضع في العديد من حوادث
المرور المروعة ذهب ضحيتها العديد من الأفراد , بل فقدت على إثرها أسر بكامل
أفرادها,
بسبب هذه الشاحنات والناقلات التي أهلكت الحرث والنسل , ولا أحد يسأل عن
حقها ومصير أسر فقدت معيلها بسبب أيادي
أجنيبة, لا يهمها مصير الضحية,
ولا مكانته ولا دوره في المجتمع.
أما الإشكالية الثانية والتي لا تقل أهمية عن
سابقتها فهي ان ظاهرة سهولة تنقل الأفراد والبضائع بين الدولتين, والتي تزامنت مع
انطلاقة تشغيل هذا الطريق تسببت في
تسهيل الهجرة غير الشرعية من ناحية, ومن ناحية تسببت في مزاحمة العمالة الوطنية
من طرف الماليين,
إضافة على انتشار الجريمة, كما ساعد في سهولة المتاجرة بالمخدرات من خلال سهولة
نقلها داخل هذه الشحنات حيث يتم دسها في الحمولة خوفا من اكتشافها من طرف نقاط
التفتيش, التي من المستحيل عليها تفتيش تلك الشاحنات بصفة كاملة, ولا تمتلك
وسائل عصرية للكشف عن المخدرات .
تسهيل الهجرة السرية والتهريب
حين تم تشغيل طريق" لعيـون "
و"أنيـور" بادر رجال الأعمال الماليين إلى تنظيم رحلات عبر باصات نقل
كبيرة , تسع لحوالي " 75 راكبا "بتذاكر لا تتجاوز 17000 أوقية في رحلة
مباشرة إلى العاصمة نواكشوط , مع تكاليف الضيافة طيلة الرحلة الطويلة, مع ضمانات
تتمثل في عدم التفتيش للمسافرين وذالك
لعوامل عديدة ,منها قلة الطواقم البشرية في النقاط , وضعف وسائل التفتيش للركاب
لتقتصر عمليات التفتيش على التدقيق في الأوراق الثبوتية المدنية .
وحسب المعلومات التي حصلنا عليها من خلال
السفر في تلك الباصات , لاحظنا أن جل الركاب من الشباب اليافع , الذين يحلمون
برحلة الأمواج العاتية إلى أوربا وتتمني
فئة منهم العمل في الخدمات المنزلية والسياقة وغيرهافي نواكشوط .
وتتميز هذه الباصات بالسرعة الفائقة دون
مراعاة خصوصيات طريق الأمل وطبيعة التضاريس , وسعيا من السلطات إلى الحد من ظاهرة
الهجرة غير الشرعية ومزاحمة العمالة الوطنية, ضربت
على تلك الباصات بيد من حديد ومنعت رحلاتها تلك لتحل محلها شركات وطنية ك "
البــراق " و"شنــــــــــــــــقيط" و "
ســـــــــــــــــــونف " للنقل وغيرها ,لتنظيم رحلات يومية من نواكشوط إلى
النعمة وكوبني على بعد 18
كم من الحدود المالية , وفي هذه الحالة فإن الماليين الحالمين بالهجرة ينتقلون
إلى كوبني ليتمكنوا من السفر في تلك الباصات الموريتانية إلى حيث شواطئ المحيط
الأطلس , وقد يكونوا مصحوبين بكميات من
المخدرات لبيعها في نواكشوط
ناقلات النفط وأثرها السلبي......
كانت الجارة الصديقة جمهورية مالي قبل
إنشاء الطريق السابق الذكر تستخدم المواني السنغالية
لتفريغ بواخرها النفطية ليتم نقله برا عبر الطرق السنغالية, ذات الخصوصية الجيدة والسريعة
وذالك وفقا لاتفاقيةتجارية بين البلدين,
وحين تم تشغيل طريق
" انيور ـــ لعيون" تم توقيع اتفاقية مماثلة مع موريتانيا لاستخدام
ميناء نواكشوط المستقل لتفريغ حمولة بواخرها النفطية نظرا لمجموعة من
المعايير,منها على سبيل المثال قرب المسافة وتخفيض قيمة تأجير البواخر وانخفاض
ضريبة التفريغ في ميناء الصداقة بالمقارنة
مع الموانئ السنغالية, وهذا ما جعل الحكومة المالية ورجال الأعمال الماليين يفضلون
التعاقد مع ميناء نواكشوط المستقل ( ميناء الصداقة ) لتفريغ بواخرهم المحملة بالنفط, إلا أن هذا الاتفاق, ورغم مساهمته في ارتفاع مداخيل
ميناء الصداقة, فإن له عواقب وخيمة على أرواح المواطنين من ناحية, كما أنه أدى
إلى تحطيم البنية
الطرقية في
البلاد .
وما لم تتم إجراءات ردعية ووقائية تطبق
على هذه الصهاريج والناقلات
التي تصل في شكل أسراب وقوافل بسرعة فائقة لا تتمشى وخصوصيات طريق الأمل
, فسيتحول إلى هشيم تذروه الرياح .
شاحنات نقل الخشب
.. حمولة عالية .. حواجز قاتلة ..تهريب خفي ..
تشكل تجارة الخشب بين الكابون وساحل
العاج عبر مالي إلى
موريتانيا نمطا تجاريا هاما لسد العجز في
مجال الخشب , خاصة أن موريتانيا تعرف حاليا نهضة عمرانية كبيرة تستخدم فيها الخشب استخداما
واسعا , ونظرا لما يجلبه من أرباح هامة,عمل رجال أعمال موريتانيين " منتدبون وسماسرة
ووكلاء" على اقتناء الخشب
من تلك الدول التي
يتم نقله
منها إلى جمهورية مالي ومن مالي يتم تفريغه وشحنه مرة أخرى بواسطة سماسرة ماليين وموريتانيين
إلى موريتانيا , عبر شاحنات
نقل مالية حمولتها تضاعف حمولة الشاحنات
الموريتانية وتزيد " 70 طنــــا ". ونظرا لخصوصية التضاريس المحلية ,
ومحاولة تلك الشاحنات للصعود على الهضاب فإنهاأحيانا تسقط لتسد الطريق مشكلة حواجز
على طريق الأمل ,
تتسبب في العديد من الحوادث ذهب ضحيتها الكثير من أبناء الوطن , ناهيك عن ما يتم
دسه تحت هذا الخشب من مخدرات وأسلحة ملفوفة في
طرود المكانيس وغيرها .
ولدى عودة هذه الشاحنات إلى جمهورية مالي ,
فإنها تشحن
بالتجارة الموريتانية وفضلات الحيوانات والجلود والعظام وفضلات
السمك, في شكل حمولة عالية
يتجاوز أحيانا ارتفاعها إلى "
7 أمتـــار", وعندما تتعرض إحداها لخلل فني أو
تسقط كما
وقع مؤخرا
غربي أبي تلميت الأشهر الماضية حيث
شكلت حاجز أرق المسافرينوشل حركة المرور وتدخلت سلطات المقاطعة التي لم تستطع
إيجاد حل لذالك المعضل
حتى تدخلت الشركة
الوطنية لصيانة الطرق التي أزاحتها بعد
عناء التفريغ من
طرف سلطات المقاطعة, كما أن إحداها سقطت
على عرض الطريق في نفس المقاطعة وتسببت في العديد من الحوادث المؤلمة .
الهيئة الجديدة .... الأمل الواعد لتجاوز
المخاطر
في خضم هذا الوضع السيئ الذي تعيشه بلادنا والذي
يتسم بالصعوبة والفوضاء والذي يكرس تسميتها السابقة " ببــــلاد
السيـبــــــــة " فإنها
بحاجة تامة
أكثر من أي وقت مضي
إلى أبنائها البررة المخلصين ليخلصوها من متاهات الفوضاء واللامبالاة إلى مستوى
عالي من التنظيم المعقلن والتسيير المحكم والرعاية التامة, للبنى المؤسسية
والقاعدية والضرب بيد من حديد على كل المفسدين الذين أهلكوا الحرث والنسل , لتكريس
طاقات البلد ومقدراته لمصالحهم الذاتية .
أجل إن السلطة الدولة بما فيه هرمها لا يمكن
أن يحقق أية تنمية قاعدية إلا بمشاركة سلطة الشعب التي تعتبر أقوى من سلطة الدولة
ومشاركتها في العملية التنموية تتطلب وعيا بما يجب أن يكون وما
لا يمكن أن يكون, والسياسات المحلية للشعوب يمليها واقع الشعب, والمتطلبات
النابعة من وعيه باعتباره أداة تشاركيه لسلطة الدولة, ونبراسا يضئ كل القضايا
الملحة ذات الجدوائية على حياة المواطن بشكل تام.
إن المخاطر التي تشكلها هذه الشاحنات وتلك
الناقلات تستحق بجلاء أن نقف عليها لنحد من انعكاساتها ومخاطرها,
وأعتقد أن السلطات العليا في البلد على وعي تام بهذا
الأمر, و يتجلى ذالك في إنشاء هيئة وطنية لمراقبة الأمن الطرقي والهجرة السرية
والتهريب, في اجتماع الحكومة يوم 22 اكتوبر سنة 2009 بناء
على بيان مشترك بين وزارتي الداخلية واللامركزية ووزارة التجهيز والنقل يشخصان فيه
وضعية اختلال الأمن ألطرقي, حيث بلغ حد الوصف إلى آفة حقيقية, تجسدت ملامحها
خلال السنوات الماضية في
أضرار بشرية ومادية جسيمة
.
ويقترح هذا البيان إنشاء سلك مهني مكلف
خصيصا بالرقابة الطرقية, وفضلا عن المهام الكلاسيكية للأمن الطرقي فسيساهم هذا
السلك في مكافحة الهجرة غير الشرعية وغيرها من مختلف أشكال التهريب .
إن الهيئة الوطنية المكلفة بمراقبة الأمن
الطرقي يجب عليها انطلاقا
من مسؤولياتها أن تضع تصورا دقيقا للحد من هذه المسلكيات دون أن يمس
ذالك من حسن
العلاقات بين بلادنا وجمهورية
مالي خاصة
على مستوى التبادل التجاري بين
بلدينا,
ويتطلب ذالك التصور وضع آليات للكشف والرقابة على
تنقل البضائع والأفراد,
لتقليص خطر الهجرة السرية
والتهريب, كما يجب أن تكون هناك آليات ونصوص
تنظم انسيابية المرور على طريق الأمل, ووضع غرامات عالية على كل المخالفين لقانون
السير من خلال السرعة والتوقف
على الطريقوالتجاوز في الحمولة واستخدام
المكابح الضوئية وغير
ذالك .
إن النجاح في تطبيق هذه النصوص, يتطلب قدرا
كبيرا من الحزم والصرامة التامة بشكل يجعل مصلحة الوطن
فوق كل الاعتبارات, وأن
ظاهرة الانفتاح التي يتميز بها شعبنا المضياف واتساع أرضنا المعطاء, تحتم علينا
قدرا كبيرا من الوعي المدني والحضاري في وجه التغيرات والمطامع الأجنبية والوعي
التام بأهمية ووجوب رعاية المصالح العليا في البلد والغيرة عليها, بحيث يجب على كل
مواطن أن يكون شرطيا وجنديا, من أجل الرقابة والمتابعة لكل ما من شأنه الإضرار
بمصالحنا, وحماية البني التحتية التي تتوفرلدينا والسعي إلى إبلاغ كل الجهات
المعنية بالمخاطر المترتبة عليها لنظل شعبا واعيا بتجليات المخاطر, قادرا على تجاوز
المحن والعراقيل, وإذا لم نكن على هذه الدرجة من الوعي وتحمل الواجب الوطني كل على حده, فإن
بلادنا ستكون ند
ئذ أرض بلا شعب يحميها ويرعى
مصالحها, وهذا ما لا "ينبغي ".
فنحن ملزمون بحكم التغيرات الدولية
وتجليات العولمة بشد الأحزمة, والتخلي عن الفضول والاهتمام بجمع المال والانغماس
في الترف والعمل على محاربة أصحاب النوايا السيئة التي كشرت عن أنيابها, والتي لا
تريد الخير لبلدنا ولا لشعبنا .
إن
هذه المسؤوليات بقدرما هي ملقاة على عاتق سلطتنا العليا , فإنها كذالك ملقاة على
عاتق الشعب ليضع حدا لكل التجاوزات التي تحاك ضد مرافقنا الحيوية, التي هي بمثابة
المعصم الحي والقوي لبقاء دولتنا ورمز السيادة لشعبنا, والاعتداء في حد ذاته على
مصالحنا لا يعتبر اعتداء فحسب علينا بل يعتبر قتلا ودفنا حيا لشعبنا, وعلى هذا
الأساس فإنه يجب على جميع فئات شعبنا السهر على توفير الظروف الملائمة لإنجاح هيئة
الأمن الطرقي التي تم استحداثها مؤخرا حتى نتمكن من حماية وصيانة طرقنا والحد من ظواهر الهجرة غير الشرعية والتهريب
الذي بات ممتهنا في بلادنا بحيث أصبحت منطلقا ومعبرا للمهاجرين والمهربين, وقد حان الوقت للقضاء عليها .


0 التعليقات: