لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

الأحد، 19 مايو 2013

عــــــــــــــــــار يأبي النسيـــــــــــــــــــــــــــان (رأي)

بقلم / يوسف ولد الهاديyousefhhamah@yahoo.fr‏

رغم مرور ثلاثة أشهر ونيف، ما زالت حادثة الفضيحة الأخلاقية التي هزت أركان النسيج الاجتماعي الموريتاني تلازم أذهان الجميع، وما زلت  كغيري من الموريتانيين، بل الذين يمتلكون الحس الإنساني، ويجري الدم في عروقهم، يتذكر صبيحة ذلك اليوم الذي قررت فيه تاجرة موريتانييه مشهورة في عالم المال والأعمال، أن تضيف في مصاف سجل الفضائح الدولية، والجرائم اللا انسانية، فضيحة جديدة يمكن وصفها بفضيحة العصر.
اكتب عن هذه القصة الحزينة، وقلبي مكلوب، وعيني تنهمر دموعا، ويدي تتردد في الحديث عن هذه القصة، ونفسي تشعرني بالذنب كغيري، من إعلاميين قصروا في تناولهم للقضية، اكتب عن  قصة عار، قصة حزن، قصة مأساة، قصة جريمة بحق الإنسانية، قصة عار يأبي النسيان، قصة من النوادر، قصة خالية من أبسط المشاعر الإنسانية،  لا ألوم الفاعل وحده، لأن هناك في القاموس الانساني مفهوما اسمه القسوة، وهناك  اسم اخر في القاموس الديني اسمه العقوق، بل ألوم كل الموريتانيين، وبخاصة المنابر المؤثرة في حياة الانسان البسيط، وأعني بذلك المنابر الدينية،  والإعلامية، التي قست على الضحية بتقصيرها في إعطاء القضية  الزخم الذي تستحقه، كما قست البنت على أمها.
في ذلك اليوم الذي اعتبره أسود يوم يحمل حدثا من النوادر مر على كافة الموريتانيين، قررت التاجرة الموريتانية الشهيرة في عالم المال والأموال، أن تتجرد من مشاعر الإنسانية، ونكران الجميل، لتطرد أمها من منزلها، قضية ربما غابت عن اذهان البعض، أو ضعفت ذاكرة البعض عن حفظها، سيدتي مهمي كانت المبررات ومهمي كان نوع الاختلاف، مع إخوتك، فإن ذلك لا يبرر طرد أهم وردة يملكها الانسان في الكون، ولا يبرر أن يقسو الانسان على أهم شريك في الحياة، وأجمل وردة في الكون، وأفضل نبع يجرى في  الانسان، وأرقى شيء تتمتع به العاطفة، نسيت هذ المسكينة أن مكانة الأم لها ثقل في قلوب الأبرار، وشذى في نفوس الصغار والكبار، ومن يجهل ذلك أو يغيب عنه فقد غاب عنه جزء من مفاهيم الأبوة في قاموس الانسانية، وبات  يتخبط في عنفوان القسوة، نسيت، منبع الحنان، ومرتع الأمان، وسلوة الأحزان.
سيدتي العزيزة،
تذكرني قصتك  بقصة ابن آخر آذاق أمه الأمرين، تبدأ خيوط القصة مع مرور مجموعة من الشباب ذاهبين لرحلة إلى إحدى الشواطئ العربية، وأثناء جلوسهم رأوا عجوز جالسة لوحدها... وبعد أن جاء وقت الغروب وحل القمر بدل الشمس، جهزوا أغراضهم للرحيل، فتعجبوا حين رأوا تلك المرأة العجوز لا زالت جالسة في مكانها، فقرروا أن يذهبوا إليها ويساعدوها إن كانت تحتاج إلى المساعدة... تقدموا لها وسألوها عن حالها، سألوها عن سبب جلوسها، فقالت: إن ابني قد أوصلني بسيارته هنا، وقال لي اجلسي وسآتي إليك بعد ذلك، فقال الشباب لها: هل تعرفين رقم هاتفه لربما واجهه مشكلة، ولم يستطع القدوم، فقالت نعم هذه الورقة أعطاني إياها ابني، وقال لي: كل من مر بك أعطيه إياها، وذهب بسيارته فقال الشباب أرينا هذه الورقة، فلما قرؤوا ما فيها وجدوا أنه مكتوب فيها، كل من يرى هذه العجوز يلقيها في دار المسنين، فخاف الشباب على هذه العجوز، فقالوا لها تعالي معنا لنذهب معكِ لمكان آمن، لقد حل الظلام يا والدة، لكن العجوز مصممة على بقائها ولم تخطوا خطوة واحدة، وكلما قالوا لها تعالي معنا قالت إن ابني سيأتي لاصطحابي وأخاف أن يأتي ولا يراني فيقلق علي، تعب الشباب مع المرأة ورحلوا.. وأحد الشباب لم يستطع النوم من شدة التفكير فيها، فقرر الذهاب للشاطئ ليراها ويطمئن عليها، فذهب بسيارته ورأى عند المكان الذي كانت واقفة فيه هذه العجوز سيارة إسعاف وسيارة شرطة وجمهور كثير من الناس تقدم الشاب إلى هذا المكان فوجد بأن هذه العجوز قد فارقت الحياة وثبت أنها ماتت من ارتفاع الضغط حسب التحليل الطبي. 
هكذا، أصبحت مفاهيم الأمومة والبنوة عندنا، تختلف تماماً عن الماضي حين كانت الأم كبيرة السن تحظى باهتمام ورعاية فائقة من قِبل أبنائها، وبات الجحود هو السمة البارزة فيه من قبل الأبناء، ويلاحظ أن أهم العوامل التي ساهمت في تجلي هذ النوع من الظواهر، وتنامي أخري مماثلة لها، هو ضعف المنابر الإعلامية، الصحف المكتوبة، المواقع الالكترونية، الفضائيات، الإذاعات، الخ...، وكذا المنابر الدينية، كخطب الجمعة والمحاضرات الدينية، والثقافية.
ولما كانت الأم رمز التضحية والفداء والطهر والنقاء والحب والحنان، وهي الأصل الذي يتشرف الولد به، ويفخر بنسبه له ونسبته إليه، فكان لزاما على المؤسسات الدينية أن تقوم بدورها في هذ النوع من القضايا حتي يجعل من هذ النوع من القضايا  قضايا رأي عام، وتحث عليها، مبرزة أهمية المكانة التي يجب التي يجب أن تحتلها الأم، وتوضيح حقوقها على الأولاد دينيا واجتماعيا واقتصاديا، ومذكرة بدروس من السلف واحترامه وتقديره للأم، فها هو  النبي عيسى (عليه السلام)، حين تكلّم عن وجوب البرّ والإكرام ذكر وصف "الوالدة"، فقال: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} [مريم:32].
وعندما أراد الله عز وجل لفت نظر الأبناء إلى معاناة الأم من جراء الولادة، مقدماتها وآثارها ونتائجها، فإن القرآن الكريم يطلق كلمة "الأم" المضحية الصابرة التي أمرنا الله بإكرامها في الدنيا إكراماً مطلقاً لا حدود له، فمن أساليب القرآن الكريم البليغة في هذا المجال أنه يوصينا ببرّ الوالدين ثم يعقبها بالحديث عن الأم فقط لشدة فضلها على الأب {ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن}..} وعندما أراد الله عزّ وجل بيان مدى حنان الوالدة على أولادها، ومدى شفقتها وإشفاقها على أولادها عبر الله عنها بلفظ الأم فقال{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
أيتها الأخت الكريمة هكذا تتجلي أهمية وقيمة الأم، فما أقوى أنينـَها، حين تغيبي عنها، وحنينـَها حين تصابي بمكروه، فهي التي  سهرت من أجل أن تنامي، وهي التي جاعت من أجل أن تتغذي، وهي التي حزنت من أجل أن تسعدي، وهي التي سعت في الوصول إلى أحلامك وتجسيدها على الواقع، وهي التي حملت في جسدها التعب من أجلك، وفي صدرها الحب والحنان، وفي عينيها القلق والسهر، فهي بكل بساطة حكاية بلا نهاية، وعطاء بلا حدود، ومثال لا مثيل له، فلماذا نضيع أمهاتنا.
إخوتي لماذا نسكت على من أهان والدته ونتركه يشعر بالأمان بيننا، ولماذ نصافحه، ولماذا نحتك به، ولماذا تضعف ذاكرتنا عن فعله المدان، وتصرفه الجبان، لماذا... لماذا ..... لماذا؟.
فالأم إذا معنا في هذه الحياة أشبه بالشمس مع الناس، تكسونا الضياء، وتغذينا بالعافية، تُقدم لنا الروح لنسعد، فلماذا عندما يكبر بعضنا ينسي أمه ويقسو عليها.
ولله ضر القائل:
أمي...
قسوة عليك ِوالدمع يحرق أجفاني 
قسوة عليك ومظاهر قسوتي الهبت كبدي 
أمي  .. 
الألم يعصفُ بكياني 
كيف لي أن انساكِ؟ 
من لي بعد الله غيركِ؟ 
سأشتاقُ اليكِ في كل لحظه .. 
سأتذكركِ والذكرى تؤرقني .. .. 
أمــــــــــــــــاه.. أمــــــــــــــــاه.. أمــــــــــــــــاه.. 
سوف أراكِ -- في كل صفحاتِ عُمري .. 
سأتكبد الألم في سبيل راحتك

بقلم / يوسف ولد الهادي  - yousefhhamah@yahoo.fr

0 التعليقات:

إعلان