الحسين ولد أحمد الهادي/ سياسي |
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدي و مولاي رسول
الله؛
أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } صدق الله العظيم.
{وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } صدق الله العظيم.
{وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } صدق الله العظيم.
إخوتي
أخواتي، السلام عليكم و رحمة الله تعلى و بركاته؛
أعمل
منذ بعض الوقت على إنجاز عمل بحثي يرصد مختلف مناحي الحياة الوطنية لما يكتمل بعد،
لكن و بالنظر للظرف الاجتماعي الدقيق و المقلق الذي نعيشه (أحداث 1-2 مايو
المؤسفة) فقد أرتأيت أن أقاسمكم فقرة منه.
" إن
حالة الإحتقان الاجتماعي، ليست سوى نتيجة حتمية لحالة التناحر السياسي المستفحل
ولإنفراط العقد الاجتماعي بين المكونات العرقية و لتنامي حدة الفوارق بين الفئات
الإجتماعية و لإنعدام التوازن في التنمية الجهوية و لصعوبة الولوج للخدمات
العمومية، يضاف إلى ذلك تأثيرات العولمة على مجتمع ضعيف الحصانة لحداثة عهده
بالحياة و الثقافة المدنية بشقيها المادي و الافتراضي.
لقد أدي
إتساع هامش الحريات خلال العشرية الأخيرة لخلط كبير في المفاهيم و في الممارسات
بين حرية مطلقة يكتوي المجتمع بنارها و حرية منضبطة يصلح بها المجتمع، و كما أن
للحرية ضوابط تحميها فلها أيضا قيود تحمي منها، و كنتيجة حتمية لتقاعس الدولة
أحيانا عن حماية حرية المجتمع من حرية الفرد و الجماعة و قيامها بذلك على استحياء
أحايين أخرى، فقد وجد العنصريون و قادة الدعوات الإنفصالية و دعاة الفتنة و حملة
الفكر الأرعن و المتطرف و أعداء الفكر التنويري و تجار المظالم فرصتهم لتأطير و
قيادة المجتمع، مستخدمين في ذلك مختلف أدواتهم من شحن عرقي-شرائحي-جهوي-قبلي، و من
نشر لخطابات الفتنة والكراهية، و من عزف على وتر المظلومية، و من تجييش للعواطف
الدينية و الروحية، و من تهييج للشارع - عمال على بطال -، و من إستلاب ثقافي و
حضاري...إلخ.
حدث كل
ذلك و أكثر، في ظل مناخ يتميز بعدم الاستقرار السياسي و بالهشاشة في البنية
الاجتماعية و بالميلان في ميزان العدالة الاجتماعية و تأثير الضغط الناجم عن
إكراهات الحالة المعيشية. ينضاف إلى ذلك، غياب تام أو تمييع مقصود لمجتمع مدني،
يفترض فيه القيام بدوره المعهود في إطلاق المبادرات الاجتماعية و الاقتصادية
المحفزة للتنمية المحلية، وخلق فضاء توعوي وثقافي كابح للتشرذم الاجتماعي، و تنمية
اتجاهات إنسانية وتنويرية في المجتمع تؤمن بالاختلاف وبالتنوع الثقافي وبالقبول
بالآخر، و تأطير العمال و تثقيفهم و الدفاع عن مصالحهم و حقوقهم...إلخ.
لم يطل
الإنتظار، فقد جاءت النتائج سريعة و مدمرة : تشرذم إجتماعي و توتر عرقي و دعوات
إنفصال؛ إنهيار للمنظومة القيمية؛ سقوط للإجماع الأخلاقي؛ إختلال للبنية المجتمعية
المعنوية؛ ظهور أفكار و تيارات دينية متطرفة مقابل موجات كفر و إلحاد و إستهزاء
بالموروث الديني و الروحي؛ إنزلاق غير آمن للساحة العمالية يقابله إستغلال مفرط من
قبل مشغليهم...إلخ
و هكذا،
فقد نودي بدعاة الفتنة و الإنفصال قادة، و نصب العنصريون زعماء، و تمكن الأراذل من
ركوب ظهور الأفاضل، و استصغر الشباب الشيب و عيروهم، و قام الجهلاء بإعتلاء أكتاف
العلماء، و صعد الغوغائيون المنابر، و اعتمد الإمعة منظرا و مرشدا، و عد الفقراء
الأغنياء أعداء و توهم الأغنياء بدورهم الفقراء قنبلة موقوتة، و صنف العمال أرباب
العمل ذئابا فيما اعتبرهم أرباب العمل حملانا... إلخ.
بالنظر
لمستوى التدمير الذي تعرضت له بنيتنا المجتمعية و تشكيلاتنا الاجتماعية و قيمنا
الدينية و الثقافية لعقدين أو أكثر من الزمن و على مرأى و مسمع - حتى لا أقول
مباركة - منا جميعا، فإن الوضعية السابقة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل عنصر
مفاجأة بالنسبة لأقلنا متابعة و دراية بالأحداث، لكن ما يثير الإستغراب والدهشة و
القلق هو الوتيرة المتسارعة خلال السنوات الأخيرة للظواهر الاجتماعية الهدامة و
للأحدات المؤسفة و المتلاحقة و للأزمات متعددة الأوجه والتي أسهمت فيها و بنحو
لافت - بقصد أو عن عجز – مختلف النخب من سياسية و إجتماعية و ثقافية و حتى دينية.
لا أنا
و لا غيري، لا في سطور و لا في بحث، بإمكاننا أن نحيط لا بمقدار الضرر الذي ألم
ببنيتنا الاجتماعية و لا بحجم الدمار الذي تعرضت له منظومتنا القيمية و لا بمستوى
التمزيق الذي أصاب هويتنا الوطنية، فأقصى ما يمكننا تحقيقة هو محاولة إستكشاف قمة
جبل الجليد أو إطلاق صرخة - لا أدري مدى فعاليتها - للفت إنتباه الجميع لخطورة
الوضع التي إن استفحلت فستكون القاضية.
لن آتي
بجديد، عندما أقول لكم إن بنيتنا الاجتماعية بخصائصها و بمميزاتها الحالية تمثل و
بإمتياز البيئة النموذجية و الركن الأساس في عملية تفكك و إنهيار المجتمعات و من
ثم وقوعها في براثن الفوضى. "
0 التعليقات: