اقطعوا البث! (رأي)

أرأيت الرئيس حين ابتلع ريقه كما يبتلع مدير ميزانية ميزانية إدارة تولاها من دون سابق خبرة... ابتلع الريق وقال:  اقطعوا البث... هي هكذا نفسية العسكري؛ بإمكانه أن يضع حدا لنهاية كل شيء في لحظة سكرة أو نزوة أو غضب أو خوف...

في الدول التي تحترم الإنسان يعتذر الرئيس حين يخطئ في الإجابة، ويبتسم حين يراجعه الصحفي.. أما عندنا فتذبل الابتسامة على شفاه الصحفي المسكين ويردد اللازمة المعروفة: شكرا فخامة رئيس الجمهورية.. عفوا فخامة رئيس الجمهورية...

آه.. لأناتنا، صدق فخامة رئيس الجمهورية، لم يعد أمامنا إلا أن نوقف البث.. سئمنا صور المرضى الضاحكين من جراحهم.. تعبنا من زغاريد رؤساء القبائل وهم يمدون أثداءهم التي طالما مص منها أتباعهم الذلة والهوان والرضوخ... اقطعوا البث فلم يعد بإمكاننا أن نشكو بثنا إلا لله، سئمنا الصحافة دمى ملتحفة بالتسول تطيل المقدمات وتفيض في الكلم وتطلق العنان لتصل إلى نتيجة واحدة هي شكرا فخامة رئيس الجمهورية...

اقطعوا البث فقد كاد يصمينا نعيق معارض يلهب عواطفنا في المسيرات، ويأكل من بركة تعبنا في صفقة سرية يبيع فيها أحلامنا بوعد مكذوب... من جنرال أرعن...

اقطعوا البث، وغيروا الدستور واجعلوا المادة الأولى منه أن الرئيس لا يسأل عن أفعاله، والمادة الثانية أننا نسأل عن أفعالنا وأقوالنا، ونقتل ونسحل، ونبعث ثم نسأل عن أفعالها وأقوالنا، ونقتل ثانية ونسحل...

اقطعوا البث؛ فقد سئمنا ارتجاج شاشة الموريتانية وهي تحاول البث المباشر كمريض سرطان تهزه السكرات في مستشفى الأنكولوجيا...

اقطعوا البث، فهذه سنة التعليم... علمونا صيغة ابتلاع الأموال وتزوير الأوراق حتى تكون الرعية على مستوى تعليم الرئيس.. علمونا كيف يتحول الصحفي إلى شاعر والفقيه إلى فنان، والفنان إلى مرتزق، والمرتزق إلى سيد قومه... علمونا الطرق الحديثة للارتزاق.. والتصفيق واللحلحة، واقطعوا البث...

اقطعوا البث؛ فهذه سنة الحوار... ولنجلس جميعا على طاولة دون أجندة... وليكن همنا الأول تغيير سني الولادة وتأجيل سني الوفاة.. دعونا نتفق على مسلسل ديمقراطي بدايته انتخابات صاخبة.. ونهايته انقلاب أبيض.. وفي الفترة الانتقالية بين الانتخاب والانقلاب...  اقطعوا البث...

اقطعوا البث؛ فالعملية التواصلية غير ثابتة الأركان دائما.. لنخترع خطاطة جديدة تستفيد من نظرية الحلول والاتحاد يكون المرسل والمستقبل والقناة فيها هو الرئيس وتكون الرسالة فيها... اقطعوا البث...

محمد الامين ولد محمد المصطفى

نقلا عن صحيفة "الأخبار إنفو" الأسبوعية

تصنيف : المقالات