الأستاذ المرتضى ولد محمد أشفق |
التقيا من قبل عرضا, في تقاطعات متباعدة, لكن الإثارة كانت نائمة, أما حديثهما الآن فكان أكثر حميمية من ذي قبل أو هكذا خيل إليهما وهما في نقطة البداية, وبذل صاحبنا الجهد كي يختزل عبر فترات الشرود.. والحيرة.. والذهول... وكانت اعتذارات من هنا وهناك تشد إلى الزمن الميت وأخرى تحاول أن تجر بعناء إلى الزمن المفقود...
سرحا قليلا... حاولا أن يجترا من الماضي.. لكن..؟؟ ما أقسى أن نبحث عن مفقود موجود... وما أتعس الانسان يحاول أن يغير اتجاه الزمن, أو أن يوقفه... مستحيل إذا أن تعيش الماضي حقيقة ويقظة, بل تعيشه حلما وحنينا... تختلس منك لك لحظات تنعدم فيها وتتحول إلى عوالم من السحر والجمال, تفر من الزمان إلى اللازمان, ومن المكان إلى اللامكان, وإذا أنت شيء لاشيء, سابح غارق في حلاوة العدم, لا رقيب ولا ناس, كافر بالسبل القبلية والبعدية... ثم تحين لحظة المأساة, لحظة الانتباه المفاجئ والعودة إلى الرشد... وإذا الحاضر يشدك شدا عنيفا ليخرجك من راحة الغي والغيبة, ويرميك في ضجر الوعي والالتزام.
اعترفت إنها حصان من تأثيرات الزمن, بل إن الزمن أضعف من أن يوهن الطاقات الفائقة, وإن في التفاصيل التي ترويها برهانا على صدق دعواها... ثم تدرك أن للزمن آثارا وأنها بادية... وأن الكلمات التي كانت تتحدث بها في الماضي بريئة, عفوية, فيها شغب الطفولة وعبق الأسحار, أما كلماتها الليلة ففيها وقار, وشيء من الانحناء, وفيها أسلوب السرد الواعي الملتفت إلى الوراء.. كانت تدرك أنها الهدف وغير الهدف, كانت تبحث عن شيء ما, تعبت.. اعتذرت... تاهت في منعرجات القصص الرخيص لكنها لم تهتد إلى نفسها... كان صاحبنا غارقا إلى أذنيه في بحر الحيرة.. والشرود... لقد انفصل عن ذاته... وهو يستمع ولا يسمع شيئا... كانت الجمل كالغيلان تصفعه... وكان ينتبه من حين لآخر فيدرك أنه خال الوفاض من الكلمات، وأن لسانه مشدود إلى وتد... أو كأنه في غابة حروف محترقة... ينظر تلقاء نفسه فلا يرى إلا رمادا باردا... تراكم الليل على بعضه, وثقلت خطا المارة, وهما يحلمان, ويصغيان إلى اللاشيء, والتقت يداهما على قنينة الشمع الأحمر...
1 التعليقات:
جميلة جدا وقد استطعت ان تعبر في هذه السطور عن ما يحتاج الي مجلدات كي يستوفي احد التعبير عنه شكرا جزيلا استاذنا الكريم