لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

الخميس، 19 مايو 2011

لعبد القادر ولد الناجى...لذكراه التى لاتغيب..!!


المرحوم عبد القادر ولد الناجي
حضرة الضابط عبد القادر ولد الناجي..قل لي بعد تحية الإسلام والعروبة والجندية بماذا أخاطبك..بالشعر..بالنثر..بالدموع..بالصمت الحزين؟!.

أنا لأريد أن أبكيك، فالشيم العربية الأصيلة تقتضى تحويل يوم رحيل الفارس إلى عرس كله ورد وزغاريد وفرح،والفرسان عندنا لا يذهبون إلا إلى جبهات القتال، لصناعة مجد ،أو زراعة كبرياء، أو كتابة نصر..وربما رحلوا بعيداعنا ولكن برسم استراحة محارب مستحقة!!.

سيدي أنت لم ترحل..حملت الحقيبة على ظهرك، وشحذت بندقيتك،وسرت على طريق الله هناك حيث الخلود والسكينة والمقام الذي يليق بالرجال الحقيقيين.

سيدي أعرف تلقائيا محتويات حقيبتك الرائعة التي لاصقت ظهرك- الذي لم تحنه طلقات الرصاص ولا أيام الابتلاء، واستخلاص معادن الرجال، ولم يحنه حتى المرض العضال- كل تلك السنوات الخالدة..أعرف أن بها  بطاحا، ووهادا، ونخيلا، وشيئا من النهر والمحيط ،وحفنات من أرض فلسطين والعراق، وشمس إيمان قومي لا تعرف المغيب..أعرف أن بها صهيلا، وخيولا، وسيوفا، وخراطيش، وشمسا وقمرا، والقا وكبرياء، وتاريخا عربيا للكفاح والصدق والبعث والرجولة.

أعرف سيدي أن بها حلما واحدا بوطن واحد لأمة واحدة وبرسالة خالدة،أعرف أن بها كبرياء لا تلين، وكفاحا وحدويا لا يعرف الهزيمة، وتوقا أسطوريا إلى حرية تنتزع ولا تستلم اعتباطا أو عن طريق الصدفة، و بها جموح عزيز نحو المساواة والكرامة لكل الذين كرمهم الله، فحاول الآخرون استعبادهم وقهرهم تسلطا وعنجهية.

أعرف أن فيها منا وجوها محفورة بحب الله والأرض والإنسان..أعرف أن فيها منا تذكارا من حجارة "آدرار"و"خاويات" من معارك التوحيد والسيادة الوطنية الموريتانية فى "أفديرك" و"أوسرد" و"إنال" و"اتميمشات"، ونميرا من "مسايل لبراكنة"، وشلالا من "دجلة" و"الفرات"، وخوذة من "بغداد الرشيد"، وولجام فرس حرون من خيول "القادسية"، وخصلات من "العامرية"، ودخانا ولهبا، وغبارا لا ينقشع، وعرق رجال، وسحنات لصعاليك، وجماجم وأنهار دماء، وأفقا ملتهبا ، ويوما عصيبا قائظا دمويا رهيبا من أيام العرب، وملاحم العرب ،وصولات العرب في فلسطين والجولان، وبصمات من أيام العبور ،وطيفان باسمان - مرتفعان حد السماء وما فوقها- لرجلين مرا من هنا، وتركا على الأرض البوار، عزا وشموخا وتحملا تعجز عنه راسيات الجبال..طيف للرجل العملاق الذي صرخ فينا ذات تاريخ بأن نرفع رؤوسنا، وطيف لرجل فارع عانق حبل المشنقة حتى لا يقال إن العرب فقدوا أروع شيمهم، البذل والتضحية حتى بالروح، دفاعا عن مبدأ، وقناعة بهدف، وإيمانا بأمة لا تعرف الهزيمة..عرفتهما سيدي؟..أعرف أنك عرفتهما فأنت من طينتهما النادرة، جئت لتصنع مجدا مثلهما، جئت لتزرع كبرياء مثلهما، جئت لتخلق ذكرا سائرا باقيا خالدا إلى ما بعد الرحيل مثلهما.

سيدي رحلت ولم  تودع ،وهل خلق رجال السلاح أصلا ليودعوا أو يودعوا؟!..أبدا فقدرهم الإبحار الدائم في أمواج القدر والحروب والنار واللهب والموت الزؤام..لا وقت لديهم  إلا لكسر غارة هنا، أورد جيش هناك فحياتهم كفاح  لا يتوقف أبدا ،والوداع لا يليق بهم، فقد استبدلوه من فجر التاريخ بلحظة الاستقبال عندما يعودون بقامات فارعة، وبخشونة النار والسلاح، وبحديث مستطاب عن إغفاءة حالمة في جفون الردى والموت الزؤام!!.

سيدي.. أتذكر يوم التقينا في المستشفى الوطني- وأنت تهادى بين رجلين- فغالبت كلمات تنطقها بصعوبة ولكن بقوة لافتة، لتقول لي "إنه لا مستقبل لنا بدون اللغة العربية" وبأن "فلسطين كما العراق أمانة في أعناقنا" وبان "موريتانيا قبل كل ذلك هي أغلي ما نملك"..أتذكر يا سيدي يوما آخر التقينا في مقر إحدى الصحف الوطنية المستقلة، وقلت لي إنك أجريت كشفا للتأكد من أنك لست مصابا ب"الكبد" و"السيدا"، وقلت لي إنك شيخ هرم سترحل اليوم أوغدا ،وأن الكشف - كما توقعت- جاء سلبيا ، لكن قيامك بذلك الكشف رسالة للشباب الموريتانيين خاصة المقبلين على الزواج لتحصين أنفسهم وحماية أجيالهم القادمة من  تلك الأمراض الفتاكة!.

كنت رائعا دائما في وطنيتك الحقة، واعتزازك بالانتماء العربي.

وطنية سكنت شغاف قلبك، فحملت السلاح دفاعا عن بلدك، وكنت على موعد مع اللظى كلما واجه الوطن الموريتاني خطرا، أو سامه عدو خارجي، أو اعتدي على ذرة من رماله، شمالا أو شرقا، غربا أو جنوبا..وانتماء قومي تجاوز اللسان ليلامس الوجدان، فقد حملت هموم الأمة العربية لغة وأرضا وسيادة وهموما، فكنت دوما حيث يجب أن يكون الرجال.

سيدي.. هل ننسى أيام العدوان الغربي على العراق، أيام تزاحم الضباط وضباط الصف والجنود العرب بالمناكب هربا وتوليا يوم الزحف لدرجة استبدال البزة العسكرية بعباءات "الحريم"، أيام لاذت الدبابات والراجمات والطائرات والمنجزرات العربية بمرابضها ومخابئها كما "البهائم" المتشبهة برجال السلاح  المسؤولة عن تحريكها وتشغيلها، أيام كانت بغداد تحترق والعالم يتفرج..يومها كنت كما أنت، كما أراد لك الله أن تكون، وكما يجب أن تكون،رجلا خلقه الله للحروب، و جنديا صنديدا يلبى نداء الوطن والأرض والدم  والأمة، بثبات الفرسان وبكبريائهم وسمتهم وطهارتهم.

نعم سيدي، يومها سنظل نتذكرك معتصما موريتانيا من ضفاف المحيط إلى بغداد الرشيد ليحارب مع آخر الرجال العرب "نقفور" الجديد المحتشد- يومها- مع "أبرهة" و"جنكيزخان" و"فرعون" و"هامان" و"ابن العلقمي" و"ابن سلول" و"أبى رغال" لقتل "الرشيد"، وفض بكارة بغداد، وتمريغ رؤوس العرب، واستباحة أوطانهم وأعراضهم ودمائهم.

يومها نعم كنت مريضا..نعم كنت مظلوما فى وطنك..نعم كنت منسيا..نعم كنت فقيرا..نعم كنت عاجزا..  نعم كنت مطاردا فى وطنك ،ولكنك كنت رجلا به شهامة الفرسان، وشجاعة العرب، وشيم الرجال..يومها بعت قطعتك الأرضية الصغيرة الوحيدة المقصية، وبثمنها حجزت مقعدك هناك في بغداد التي كانت تشرب دمها ليلا، وتضج بفرسانها نهارا..وسط الميدان كنت، وكنت، وكنت...كنت لواء حقيقيا بلا نياشين ورقية كاذبة كما الذين ظلموك، بألف رجل كنت  ،كنت فيلقا عربيا، كنت مفرزة، كنت كتيبة، كنت رتلا، كنت عنفوانا عربيا، يومها انحنى العراقيون احتراما لرجل قادم من شنقيط  يحمل الحب والوفاء الصادق العفوي لإخوة الدم والدين والأرض ، والاندفاع الرجولي لمحاربة الأعداء، يومها قال لك الرئيس الشهيد البطل صدام حسين إن مجيئك للعراق الذي هرب منه رجال آخرون توليا يوم الزحف وسام يزين صدور كل الموريتانيين والعرب الأقحاح الشرفاء، ومنحك الشهيد وساما نشهد أمام الله أنك تستحقه، وأنه ليس منة ولا رشوة ولا عطاء أمير ماجن متسلط لشاعر منافق، فقد أعطاه قائد يملك النياشين ويصنعها، لأنه كان في دوامة اللهب، شامخ الرأس، صامدا جبارا قويا، لفارس مغوار ،لم يقفز خارج المدائن الملتهبة، بل قفز خلف خطوط النيران، بعزيمة لا تلين يومها- وبعدها-  صغرت كل نياشين العالم، لأنها- خارج تلك اللحظة الخالدة بك وبصدام حسين-  لم تعد أكثر من خطوط حناء تزين جسد امرأة تجاوزت سن اليأس ولم يعد من بيننا من يستحقها عن جدارة على طول الوطن العربي وعرضه..!

سيدي  تذكر أيام ذهبت مع المتطوعين العرب إلى خطوط النار في معارك الكرامة العربية، تذكر يا سيدي أيام فرضت اللغة العربية في المدرسة العسكرية ب"أطار" في خطوة  جريئة ،لها ما بعدها في تاريخ استكمال السيادة الوطنية والهوية الحضارية،  أذهلت الجميع، وأيام رفضت فرنسة المصطلحات العسكرية، وأنت الذي قابلك صحفي فرنسي- ذات بغداد محترقة- ليخرج قائلا إنه لم يسمع في حياته رجلا يتقن اللغة الفرنسية نطقا وسبكا وحبكا ودراية قبلك، تذكر يا سيدي أنني كتبت عنك ذات يوم- إنصافا لك- وقد ظلمك وطنك وأهلك ،بل ظلمك حتى أقرب الناس إليك اجتماعيا وفكريا.!!

تذكر يا سيدي نضالك في جمعيات الدفاع عن اللغة العربية ونصرتها..
تذكر ذلك كله يقينا ونتذكر نحن - ولن ننسى- أنك كنت ضابطا شجاعا وفيا لإيمان ثابت قوي كما راسيات الجبال، وأنك لم تغتسل ببحيرة الخطيئة، فرغم المناصب والرتب والنياشين خرجت وأنت لا تملك من حطام العالم شيئا، وطنك لم يعالجك، رفاقك لم يساعدوك، جيلك تخلى عنك، رحلت فقيرا-  حد العدم- منسيا تشرق بمرارة الظلم ،وكأن طيفك الواثق الخالد -الذي لن يغيب- يردد صارخا فينا -عبر الزمن".

وظلم ذوى القربى أشد مضاضة *** على الحر من وقع الحسام المهند"!!

نم يا سيدي، فساحات الفداء تعرفك هنا في وطنك، وهناك في وطنك الأكبر

نم يا سيدي، فأنت تستحق الرحمة والسكينة..أما أعين الجبناء والرجال المزيفين فلن تنام أبدا.

بقلم حبيب الله ولد أحمد

0 التعليقات:

إعلان