المرتضى ولد محمد أشفق |
لما كان ذلك كذلك رأينا أن نقف وقفات فـــــــي ظلال الأدب الشعبي ,اذ الادب لـيس ابن لغة معينة ولعل في تضاعيف الادب الشعبي من نفثات الشعور، وخفقات القلوب بل من دقائق حياة الـــمجتمع الــــــــبدوي الموريتاني، مالا نلمسه في غيره.
لهذا رأينا أن نسرح في رحلة ممتعة وسط حقل خصيب من حقول هذا الادب الشعبي: أدب الشاعر الكبير الشيخ بن مكي.
والشيخ بن مكي غني عن التعريف فـهو ذائع الصيت لا فـي منطقته فقط بل في سائر البلاد الموريتانية بل في بعض البلاد المجاورة وفـــــــــــــي شتى الأوساط المعرفية، وكيف لا والأديب الخلاق لا يعرف ضيق الحدود المكانية والزمانية، والادب الحق يخترق الــــــــحواجز ويرفض الـقيود ويحلق عاليا في كل سماء فيها نور المعرفة والعطاء ونفوس ظمأى تحن الى الجمال وتانس به. كان أدب الشيخ بن مكي وجبة دسمة فـــــــــــي المأدب الادبية، فلا يصدر عمل علــمي يتعلق بتاريخ البلد وثقافه، و لايذاع برنامج فــي موضوع أدبي إلا كان الشيخ بن مكـي قمة شامخة تستقطب الأنظار وتفوز بـــالاهتمام حتى غدا إحدى هذه الشخصيات الاسطورية التي تنسج حولها الخوارق والعجائب.
ولـــــــد الشيخ بن مكي عام (1320هـ- الموافق 1905) فـي ضواحي ألاكـ وتربى فـــــــــي جو من الــــرعاية الصالحة.
وفي العاشرة من عمره كعادة أمثاله ولج الدراسات من بابها الواسع فالتحق بالكحلاء فدرس الـــــقرآن وأتم حفظه وفتح الـــــــجراب لغيره من العلوم المحظرية كالفقه وعلـوم اللغة والتوحيد... الخ. كان من أشياخه أحمد باب بن المصطفى ولد امين والعلامة ماء العينين ولد الشيخ المعلوم البساتي، اما شيخه الأول في الأدب فهو بن عمه الب ولد امين، وكانت مدته فــي المحظرة اثنتين وعشرين سنة، منها ست عشرة سنة فـــــي عهد الـــــقاضي ديد بن محمد محمود، أما الست الباقية فكانت فـــــي عهد خلف القاضي المتوفى، أخوه الــــــسيد القاضي أحمدو ولد محمد محمود، ثم تأتي مرحلة الـــــتكوين اللاحقة وهي مرحلة (إكيدي) بولاية اترارزه حيث استمر مقامه فــــــــيها 15 سنة في عهد الأمير أحمد بن الديد.
كانت مرحلة اترارزه بحق مدرسة تشبع منها صاحبنا بمختلف الــــــــثقافات فاحتك بسكان المنطقة احتكاكا شريفا، كسب فيه الصداقات، ووثق العلاقات، ووطد عرا الــــتآلف والتآخي والإعجاب المتبادل، وكانت صلاته بقبيلة أولاد ديمان (صلات متميزة).
كانت هذه الفترة اختبارا دقيقا لجوانب شخصية هذا الأديب الـــمغترب، فلم يخف ولم يتنازل عن أعلى مقومات الشخصية الشريفة، والكرامة الــــنفسية، رغم الملاحقات الأخوية تارة والمغرضة تارة أخرى. ولعل القيمة الـــــحقيقية لهذا الشاعر هي الـــتي يكنها لــــه سكان تلك المنطقة الــتي شهدت تفجر ملكاته الادبية، وسالت عليها من واديه الفني جداول خصيبة خلدت أرضها وحياتها واشتهرت في تضاعيف أدبه، تغني الشيخ بن مكي بتلك الارض و أهلها كثيرا حتى ليخيل إليك أنه لم يكن للشيخ وطن سوى تلك الأرض ولا أهل غير أهلها وهم يعترفون بذلك الجميل في كل المناسبات.
وبقول أوجز فان الشيخ بن مكي قد نصب عرش مملكته الشعرية فــــي (إكيدي) ليرحل عنه لاحقا دون أن تتطاول على ذلك العرش يد ناقمة بل ظل تمثالا يعبد وذكرى تحرك جميل الذكريات.
والشيخ بن مكي [كان] يعيش وقت كتــــابة هذه السطور في ضواحي ألاكـ فــي أسرة صغيرة هي زوجة وبنتان وولد واحد.
تراه وقد دبت في جسمه الشيخوخة ما زال حاضر الــــبديهة متوقد الذكاء عذب الــــــــحديث ظاهر الحجة.. تراه أمام المحلات الصغيرة يساوم أهلها، يباسط البائعات علــــــى أرصفة الطرق تواضعا أو ينتظر المسؤول في ذيل طابور فلا تصدق وأنت تراه فـــــــــــي هذه المظاهر كلها أنه الرجل الذي كنت تسمع عنه.. عن عبقريته وسبقه الفني، لكنها نزعة التواضع، تواضع عن اقتدار.
ومن مظاهر عبقريته أنه أحادي اللــغة فكان عطاءه الفني مقتصرا على الحسانية، لكن له فـــي الشعر العربي صولات وجولات إذا تعلق الامر بالذوق الرفيع والكشف عن الأسرار الفنية.
ومن مظاهر عبقريته أنه أحادي اللــغة فكان عطاءه الفني مقتصرا على الحسانية، لكن له فـــي الشعر العربي صولات وجولات إذا تعلق الامر بالذوق الرفيع والكشف عن الأسرار الفنية.
توفي الشيخ ولد مكي يوم 19 ديسمبر 1996 يمسقط رأسه بعد كتابة هذه السطور بسنتين رحمه الله وغفر له.
بقلم الأستاذ المرتضى ولد أشفق، كتب بتاريخ: 31 أكتوبر 1994 وتعيد "ألاكـ.كوم" نشره
1 التعليقات:
مقال رائع :عن أديب رائع رفع رأس أهل هذه المقاطعة عاليا في جميع الميادين الأدبية لقد مثل المقاطعة في لحظة حرجة وفي ميدان صعب وفي منطقة ترعرع فيها الأدب وشب وشاخ :رحم الله الفقيد وأبقى لنا شاعرنا الكبير والوارث بكل جدارة لأدب الشيخ وذكائه وشعره :المرتضى محمد الفغ