لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

السبت، 2 يوليو 2016

ومضات من حياة الاستاذ محمد بن محمد المصطفى بن احمد (رأي)

تحل هذا المساء ( 27 رمضان 1437 هـ) الذكرى الخامسة عشر لرحيل الفقيه الأستاذ : محمد بن محمد المصطفى بن احمد ، وبهذه المناسبة ، فإنني أضع بين يدي القارئ الكريم هذه الورقة التعريفية الموجزة عن حياة هذا المعلم الثقافي الوطني المتميز ، راجيا من كل محبيه وتلاميذه والقارئين عنه التضرع - في هذه الليلة المباركة - للمولى جل وعلا أن يتقبل صالح أعماله ، وأن يبعثه مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. آمين .
ــ ومضات من حياة الأستاذ :
محمد بن محمد المصطفى بن احمد 
في محيط اجتماعي زاخـر بالتهليل و التلاوة والتكبير ، وحافل بـ "كوره" و"اللز"، و"شاره" و"هـيب" ... ، في هذا الجـو المنطبع بمختلف الشؤون اليومية لـ "أسكره" ، وُلـد الأستاذ " محمد بن محمد المصطفى بن احمد الإجيجـبي البركـني سنة: 1920 م بضواحي"ألاك" وسط مجتمع مـتـعـلم ذي شـوكـة ومهابـةٍ وصـيـت ..... 
في كـنـف كل من والده : " محمد المصطفى بن محمد محمود بن محمد المصطفى" الملقب :" بوَّه " ، و والدته :"مريم بنت محمد محمود بن حامد بن سيدي محمد" الملقبة :"امَّامَّه"، في كنفهما ــ معا ــ تـربى " الأستاذ " وتـرعـرع ضمن محـيط أسـري عـريض مـشهود له بالرفاء والتراحم والتوادد ، فارتوى ــ منذ نعومة أظـفـاره ــ بـمعـين الإيثار ، و التـضحـية ، والإباء ، والتواضع ..... 
دفع الوالدان بابنهما إلى الكتاتيب سنة : 1925 م ليخطـو ــ بذلك ــ أول خطوة في مسيـرته التعـليمية غير المحـدودة بزمان أو مكان ، فـالتحق بكتاتيب"امَّـينه بنت احبيبي"وهو مُـرتـفِـق لوحه الكـبيـر المُهدى إليه من طرف نـزيل والديه بـ"أسكره":"محمد غلام بن دهمد"، وعند "بنت احبيبي"، وفي ذلك اللوح الكبير ، أتــقـن "الأستاذ"التهـجــي وحـفـظ بـعـض الأحزاب إيذانا بمغادرة الكتاتيب إلى مـحـظـرة العـالم القـرآني الشهـيـر : "الشيـخ الحـضرمي ابن اعـبـيـدي" التي وصلها سنة : 1927 م ولـبـث بها حـتى حـفـظ القـرآن وتعـلّم رسمه ومقـرأه ، ثم وَدَّع "ابن اعبيدي" ليحُـط الرحـل سنة : 1930م بمحـظـرة"البيضاء"المنحـدرة من محـظـرتيْ"الكحلاء"و"الصفراء"المشهورتين، وبها لقي "الأستاذ" شـيخه الفقيه الموحد السيري: "احمد محمود بن محـمدا "المعـروف بــ:"لمرابط حمود"، فقـربه وأتحفه بجـزيل معارفه وعـلومه ، ووشحه ــ دون غيره من الطلاب ــ بوسام لقـب:"تـلميديَّ".
استوفى"الأستاذ"علومَ "البيضاء"، فـبعـثـه شيـخـه "لمرابط حمود" في مهمة تعليمية خاصة ، وهي أن يـلتحـق ــ فوراــ بـمحـظـرة"عبد الكريم بن امَّياه"الحـسنيّ ليـدرسَ فيها الـتخـصصات اللغـوية والأدبية التي لم تكن متاحة ــ من قبل ــ في المحاظـر المحليةِ ، فنفَّـذ "الأستاذ"تـوجـيهات شـيخه وحـلَّ بـمحـظـرة"عبد الكريم"التي لاقى من لدنها عناية جـلى ، فلما اسـتـكمل دراسة المتون اللغـوية والأدبية والبلاغـية المعـتمدة فيها ، ودَّع محظرة "عبد الكريم"سنة: 1949 م ليعـود أدراجه إلى محظـرة "البيضاء"بــ : " أسكره " .
فرح "لمرابط حمود"بعـودة تلميذه محـلى بعلوم اللغة والشعـر والبلاغة ، واعـتبر ذلك نجاحاغـير مسبوق سيفضي بمحظرة"البيضاءِ"إلى أن توسع مجالات التدريس بها لتشمل"علوم العربية وعلوم الدين"، وتنفيذا منه لمشروعه اللغوي الرائد ، فقد اتخذ "لمرابط حمود"ــ بهذا الصدد ــ مبادرة تـشجـيعـية منقـطعة النظيـر ؛ تمثلت في جمعه لطلبته قائلا لهم :" أيها الطلاب ، إنـي سأدرس علومَ العـربيةِ على"تـلـمـيـديَّ"، فمَن أراد منكم أن يكون "دولـة" معـي فليـشـرع وليبادر " .
أجل ، لقد قالها "لمرابط حمود"وفعـلَها ؛ فأصبح تلميذا في عـلوم اللغة على تلميذه في علوم الدين ، فكانت تلك المبادرة بمثابة مـنح "شهادةِ الكفاءةِ في التدريس" للأستاذِ: "محمد بن محمد المصطفى بن احمد" من طرفِ العلاَّمة: "احمد محمود بن محمدا"، فأصبح "الأستاذ"ــ منـذ تلك اللحظة ــ أولَ مُـدرس لعـلوم اللغة العـربية وآدابها في محظرةِ"البيضاءِ"جـنـبًا إلى جـنـب مع تـدريـسِه فيها العلـومَ الفقهية والتوحيدية والسيرية ، وهكذا ظل "الأستاذ" شريكا في تدريس"البيضاء" قـبل أن ينفـرد بشؤونها بعد وفاةِ شيخه "لمرابط حمود" سنة : 1956 م .
تولى "الأستاذ" شؤون "البيضاء"، فوزع " وقـته بين " قضايا الحياة من غير إفراط ولا تفريط ؛ فتارة يُمارس التدريـس والفتيا والتأليف ، وتارة يُـؤانس الأصحاب و يُـؤازر الضعيف وينصر الملهوف ، وطورا يرعى شؤون الأسرة والمجتمع والطلاب ، ومرة يعـود المريض ويُـنجـد الملهوف ويقارع الأعـداء ، وحينا يُعاشر السلاح ويُـكرم الضيف ويُـجالس الكتاب ..... 
وبانعقاد مؤتمـر"ألاك " عام : 1958 م ، ومع شروع الدولة الوطنية في التـشكل والظهـور، أدرك " الأستاذ " بـحـسـه الوطني المرهـف أن صفحة جديدة من صفحات أمتنا قد انفتحت ، وأن عجلة بناء الوطن قد تحركت ، وإيمانا منه بأن المشاركة في البناء واجب وطني مـقـدّس ، فقد قرر الإدلاءَ بـدلوه ــ عام : 1959 م ــ في مسابقتيْ القضاء والتعـليـم المنظمتين لأول مرة على المستـوى الوطني ، فأظهـرت النتائج تـفـوُّقـه في كلٍ من المسابقتين ، وبعـد تـفكـيـر جـدي حـول أي المهنتين سـيختار ، آثـر"الأستاذ"التعـليمَ على القضاء ؛إذ أنه يتلاءم ــ أكثر ــ مع التدريس بمحظرة"البيضاء"، إضافة ــ طبعا ــ إلى أنه يريد أن يوظف التدريس العـصري في كفاحه الدؤوب من أجل غـرس اللغةِ العربيةِ وعلوم الدين في أفـئدة أجيال دولتنا الوليدة إرساءً لهويتنا العـربية الإسلامية المهـزوزةِ من طرف المستعمر وأعـوانه .
اختار "الأستاذ"ــ إذن ــ مهنة التدريس على القضاء ، فحول إلى مدرسة "انيابينا"ــ بولاية لبراكنه ــ بداية السنة الدراسية: 1959 م ـــ 1960 م ، فـدرَّس بها مادتيْ العـربية والدين في أول إصلاح تربوي وطني ، ثم حـول من مدرسة "انيابينا" إلى مدرسة "لم عـودُه" التي عـمل بها خلال السنة الدراسية : 1960 م ــ 1961 م ، ومن مدرسة "لم عودُه" حـول "الأستاذ"ــ هذه المرة ــ إلى مدرسة :" لمدن " التي درَّس بها خلال السنة الدراسية: 1961 م ـــ 1962 م ، وفي السنة الموالية حـول مِن مدرسة :" لمدن"إلى مدرسةِ :"أغـشوركيـت"الناشـئـةِ خلال السنة الدراسية : 1962 م ـــ 1963 م ليُـدرّس بها أربع سنواتٍ متتاليةٍ قـبل أن يُـحـوَّل منها في بداية السنة الدراسية : 1969 م ـــ 1970 م إلى مدينة " ألاك "التي درّس في مدارسِها القـديمةِ الثلاثِ : ( رقـم 1 ، 2 ، 3 ) حتى تقاعـدِه سنة : 1985 م .
جهد معـرفي كبيـر ما فتئ "الأستاذ" يبذله خدمة لدينه وأمته ووطـنه ، فكان ــ على الدوام ــ شـمعة تـضيء دياجير الجهل بأنوار التدريس والتوجـيه والتأليف والتثقـيف ، فانتهج خطة تنويع الوسائط المعـرفية بغية تعـليم أكبر قدر متاح من الجماهير ؛ فاستخدم المنابر ، والأشرطة ، والكتب والجرائد ، والإذاعة ، والتلفزيون ، ولهذا ، فقد واصل ــ حتى بعـد تقاعده ــ حلقات مسلسله المعرفي الوضاء، فاستمر ــ ما وسعته صحته ــ في الإفتاء والتدريس والتأليف حتى تـوفـاه الله يـومَ الإثنين : 27 / رمضان / 1422 هـ ، الموافق : 26 / 11 / 2001 م ، عن سـنٍ نـاهـزت الإحـدى والـثـمـانـيـن .
اثنتان وخمسون سنة من العطاء:( 1949 م ــ 2001 م ) رفعـت هامة "الأستاذ"وجعـلته نموذجا فريدا للمربي المخلص الكفء ذي الشهامة والكرامة والنضال ؛ فما أجـدره بـلـقـب " الأستاذ " الذي عـرف به ! ، فهو أستاذ المحظرة والمدرسة والمنبر ، وهو أستاذ البيت والساحة والسوق ، وهو أستاذ الخلق والصدق والإباء ، وهو أستاذ الرفق والتواضع والإيثار ، وهو أستاذ الشجاعة والتضحية والإقدام ، وهو أستاذ الجود والكرم والمواساة ...... 
لقد خدم "الأستاذ" وطنه الحبيب على مدى (52) سنة من البذل والعطاء ، فساهم ــ بإخلاص ــ في تهذبت الأجيال وإرساء الهوية ومرتنة المؤلفات ؛ إذ تمكن ــ رغـم ضرورات العمل وإكراهات الحياة ــ من تأليف العديد من الكتب التي احتضنتها رفوف قسم المخطوطات بوزارة الثقافة الوطنية ؛ ففاحت من مؤلفاته القيمة مواضيع زكية تـضوّع شذاها من خلال عناوينها التالية : 
1
ــ شرح نظم "حمى الله"على الرسالة (565 ص) ، 02 ـ نظرة الإسلام لعلاقات المجتمع ، 03 ـ سؤال وجواب في النوازل الفقهية ، 04 ـ القواعد الخطية ، 05 ـ إعراب الجُمل ، 06 ـ أحكام الجمع بين النساء في العـصمة الواحدة ، 07 ـ مشروعـية الجهاد، وأحكام صلاة الخـوف إذا تراد ، 08 ـ القضاء في المياه ، وإحياء المـوات ، 09 ـ التـشـريع الإسلامي ، 10 ـ القـواعــد النحـوية ، 11 ـ حجة المقلدين ، 12ـ ابراكنه "ماضيها وحاضرها"، 13 ـ مبادئ النحـو ، 14 ـ الأمثال الحـسـانية مـشـروحـة بالعـربية، 15 ـ بـيان وإيـضاح ، فيما يـحـرم التـزويج به من النساء وما يباح ، 16 ـ البـحـوث الفـقهـية في الصلاة مشفوعـة بأحكام الحيض ، 17 ـ المفردات الوطنية ، وإبــراز مـراجـعـهـا اللغـويـة ، 18 ـ الإرشاد والإسعاف ، في أحكام الاستخلاف ، 19 ـ شرح قـرة الأبصار ملحقـة به الغـزوات المـشهـورة ، 20 ـ "اكلام أقـدّور" مـشـروحة معانيه بالعـربية ، 21 ـ أسـمـاءُ الأشـجـار والنباتات بالعـربية والحـسانية ، إضافة إلى أن له محاضراتٍ ، و دروسا للجمعة ، وديوانين شعـريين أحدُهما فـصيح ، والآخر شعـبي .
ورغم كل ما عـرف به "الأستاذ"من جـدٍ وتـشميـر ، فقد حباه الله ــ كوالده "بوّه"ــ حكمة المنطق وطرافته من غير تعـسف ولا تكلف ، فـتلقف الناس حِكَمَه المبثوثة في أقـواله ، وتـسلت المجالس بطـرفه العفويةِ ذاتِ النكهةِ الخاصة ، فلتلهث ألسنتنا ضارعة إلى الله بالترحم على روحه الطاهرة ، ولنردد مع شاعـر الوفاء و الكرم : "المرتضى بن محمد اشفق " هذه الأبيات المقـتطفة من مرثية له فيه :
(...) ــ ورحلت في حفظ الإله ولطفه 
                      - يا من سموت بساطة ووفاء
     
ــ يا دوحة سمقت بطيب سريرة 
                    - تحـيـي القـلوب حـلاوة ونـقاء 
(...)
ــ أمـحـمـد الأخلاق والآثار والأفــ ـ
                     
ـكار ، فـقـت سـمـاحـة وصفاء
     
ــ واليوم نجني ثمر غـرسك طيبا 
                    - والله خـيـر رحـمـة و قـضـاء .
ا ¤¤¤¤¤
أجل ، " والله خير رحمة وقـضاء "، 
رحمه الله ، وجزاه الغـرفة ، ومتعه بالنظر إلى وجهه الكريم . آمين .
ا ♡♡♡♡♡
بقلم : عبد الناصر بن محمد المصطفى .


1 التعليقات:

شكرا كنا بحاجة إلى هذا المقال الذي سلط الضوء على أجزاء لم نكن نعلمها من تاريخ الاستاذ.ليت آخرين قاموا بجهد مماثل في حق شخصيات عامة رحلت عنا

إعلان