من عجيب المفارقات أن يدعو رئيس الجمهورية إلى حوار "شامل"
مع المعارضة، و يستثني حتى الآن "مؤسسة زعيم المعارضة الديمقراطية" من
دعوته تلك، و هي مؤسسة قانونية مهمة من مؤسسات الدولة الرسمية، و هدفها الوحيد هو
تطوير الديمقراطية و تعزيز دور و مكانة المعارضة في البلاد. و من المفارقات أن
ينهمِك في الدعوة للحوار، و يرفض الرد على وثيقة المعارضة ولو بسطر واحد يُعطي
موقفه من القضايا الوطنية المطروحة، و تصوره بوضوح لمجريات الحوار المرتقب
. و
الأعجب من ذلك كله، أن يستمر في دعوته للحوار، و لا يتورع عن وصف معارضيه على رؤوس
الأشهاد ب "العجزة"، و "أعداء الوطن"، و
"المخربين"... و كأن "الوطنية" عنده صفة يستحقها من آمن به
وليا، و بحزبه مرشدا...أو كأن انتماء الأفراد لوطنهم و التزامهم بالوطنية يقاس
بقدر مطلق الولاء و التبعية لشخصه...
وجه المفارقة هنا لا يكمن في اختزال مفهوم الوطنية في طاعة الحاكم و
الولاء له فحسب، بل يكمن أيضا في إحياء قاموس الحرب و الصدام، و إذكاء روح
المكابرة و الكراهية و العناد بين الفرقاء... طلبا للحوار !؟
و من المفارقات الغريبة كذلك أن تقبل أحزاب سياسية بالدخول في حوار
مفتوح مع سلطة عسكرية لم يتبدد بعد دخان انقلابهاعلى رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، و
ترضى بأن يكون رأس الانقلاب شريكا لها في اللعبة السياسية و مرشحا لمنصب رئيس
الجمهورية. و ما أن ينقعش غبار معركة الانتخابات حتى يحل التوتر و التأزيم و الرفض
المتبادل محل الاتفاق... و يعود الجميع إلى نقطة الصفر...و إلى الدعوة إلى الحوار
من جديد.
و لكن الأغرب من ذلك أن يتغلغل العداء إلى المشهد، و يتحكّم فيه، و
يتجذّر، و يتفاقم إلى درجة تُفضي إلى غياب تلك الأحزاب عن حوار آخر مع تلك السلطة
في وقت تلوح فيه بشائر التناوب السلمي على السلطة في الأفق مع انتهاء المأمورية
الثانية و الأخيرة لرأس النظام بحسب الدستور...
و محل المفارقة هنا هو قبول المشاركة في حوار قد يفتح باب الرئاسة في
وجه رأس انقلاب عسكري، و الغياب بعد ذلك عن حوار يُفترض أن يفتح له باب الخروج
بطريقة دستورية و هادئة...إلى أن يثبت عكس ذلك، على الأقل !؟ أمام هذه المفارقات،
أخي القارئ، من حقك أن تقلق و تخاف و ترتبك لو أنك في بلد عادي...أمّا و أنك في
موريتانيا، فابشِرْ و اضحك و العٓب و انْسٓ الدنيا ! إنك في بلد المفارقات بامتياز
!؟
محمد
فال ولد بلال
0 التعليقات: