لاقتراحاتكم ومشاركاتكم يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:alegcom@hotmail.com

الجمعة، 13 مايو 2016

في ضيافة المحترم سيدي ولد الشيخ عبد الله (رأي)

بعد خروجي من سجن دار النعيم، أو “تخرجى” منه – على الأصح- فقد كان ذلك السجن مدرسة الحياة التي تعملت فيها ما لاتستوعبه بطون الكتب.. لكن تلك قصة اخرى، ربما سأشبعها حديثا في روايتي التي أضع عليها الآن لمساتي الأخيرة.
المهم أنني رتبت لقاء مع الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي كان قد عاد لتوه من السنغال، فاستقبلني أنا والصديق ابو العباس في منزله الواقع شرقي قصر المؤتمرات ( المنزل الذي لا يخفى مكانه على متابع للأحداث خلال فترة الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، فهو الذي تم منه اقتياد السيدة الاولى خت بنت البخاري للمساءلة امام مجلس الشيوخ، الذي كوّن للتحقيق معها لجنة يرأسها ابن عمها السيناتور محسن ولد الحاج.. وهو المنزل الذي انتدب الانقلابيون حينها مجموعة يقودها علال ولد الحاج وعبيد الله ولد حرمة الله وسيدي ولد يمّ لأن يؤلبوا عليه مواطنين مأجورين، يرشقونه بالحجارة، حتى يبثوا في نفس ولد الشيخ عبد الله الخوف من العودة لانواكشوط.. وهنا يعلق بذهني تعليق طريف لاحد قراء تقدمي، حيث استنكر تأليب سيدي ولد يمّ لسكان الاحياء الشعبية ضد ابن ولايته، بقوله “يُمّ ما تخلي العيّل”).
.. جمعنا أول لقاء بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي كان في غايته أناقته وحسن هندامه.. عانقنا بحرارة الأب الحنون. والتفت الى ابى العباس في ظرافة بالغة الوقار، فقال له مبتسما:
قرأت مقالك الأخير عن عيدي أمين دادا.
و أردف قائلا: مقال غريب، أنهيت فقرته الأخيرة، وأنا أعتقد فعلا أنك تتحدث عن عيدي امين.
حَدِّث ولاحرج، عن دماثة اخلاق الرجل، و لطف معشره.
لفتت انتباهي من خصاله الكريمة قدرته الفذة على الاستماع، فلا أتذكر خلال الجلسة أنه قاطع احدا منّا، بل كان يصغي وكأنما على رأسه الطير، ثم يعلّق، فلا تملك إلا أن يأسرك بعمق مداركه و مآخذه.
كان يقول عند كل ابداء رأي “أعتقد أن…”، فلاهو يطيل في كلامه فيمل، ولا هو يختصر في عبارته فيخل. وقد جعلني ذلك استحضر قول الشاعر:
إن طال لم يُملل وإن هي أوجزت
ودّ المحدَّث أنها لم توجز
سألني الرئيس المنتخب عن ظروف السجن والسجناء، فأسهبت في الحديث عن الوضع المعيشي المتردي في السجن، فرأيت في وجه ولد الشيخ عبد الله تأثره البالغ مما سمعه مني عن احوال السجناء.
وقد تنوع حديثنا خلال ذلك اللقاء الذي استمر لأربع ساعات، من حديث عن السياسة، وعن ظروف حكمه للبلاد، والتحديات التي واجهها نظامه، فكان بارعا في الدفاع عن تلك الحقبة، وفي عرض وجهة نظره التي صادرها الانقلابيون.
تحدث عن برنامجه الاقتصادي حديث من يضع الهِناء مواضعَ النقب.. وابدع في تبرير سياساته ما شاء أن يبدع..
و قد لفت انتباهي ان الرجل لم يذكر الجنرال الانقلابي محمد ولد عبد العزيز خلال كل حديثه بخير ولا شر، كما لم يعطنا انطباعا بعدم الرضا عليه، فضلا عن أن نستشف منه حقدا او ضغينة.. تستشعر منه استعدادا لأن يدير له خده الأيسر ليعيد صفعه إن أراد.
وعندما استعرضنا موقف احمد ولد داداه الداعم للانقلاب، حاولت جاهدا أن اتحقق عن معلومات تتحدث عن خلاف قديم بين الرجلين أيامَ حكم الرئيس الاسبق المختار ولد داداه، إلا أنه تحاشى الحديث عن “الجفاء”، ليتحدث عن “ايام الصفاء” حيث حظي ولد داداه مرة بدعم ولد الشيخ عبد الله في انتخابات رئاسية.
كان أكثر ما قاله ولد الشيخ عبد الله حدة عن معارضه السابق احمد ولد داداه أن “احمد مخلص تماما في طموحه لتحقيق التنمية والديمقراطية للبلاد، إلا أنه يعتقد أنه وحده من يمكنه تحقيق ذلك”.
هالني انا وابو العباس أن الرجل قرأ كل ما كتبناه وكتبه غيره من الكتّاب الموريتانيين، و أنه متابع لكل تفاصيل المشهد السياسي، وأنه حريص دائما على أن يستطلع آراء محدثيه، باسلوب بالغ اللباقة.
كان عند كل فقرة، يسألنا “وأنتم كيف كان رأيكم.؟.” أو “ماذا ترون؟”.
سألته إن كان يفكر في كتابة مذكراته، فقال: إن هنالك من يضغطون عليه لكتابتها (ذكر من بينهم صديقا فرنسيا)، إلا أنه ليس متأكدا أن الوقت مناسب لكتابتها”.
ثم سألني بوقار: وأنت ماذا تقترح؟!
أجبته: اعتقد أنه من الضروري تسجيل الاحداث الاخيرة، قبل أن تمحى من الذاكرة، أو تندرس الانطباعات عنها.. اما طباعتها ونشرها فيمكن انتظار الوقت المناسب لذلك”.
وقد هز ولد الشيخ عبد الله رأسه طولا، علامةَ الموافقة علي رأيي.
كان اسلوب الرجل في التعامل مع أولاده بالغ التحضر.. كما كانوا هم بالغي الادب والاحترام.
تذكرت لقاء جمعني بولد الشيخ عبد الله خلال إقامتي بواشنطون، حيث شاركت في اتصال جماعي Conference call للحديث اليه بعد اطلاق سراحه، وفرض  الاقامة الجبرية عليه في لمدن، وقد شارك في ذلك الاتصال صحفيون امريكيون وافارقة، ونشطاء سياسيون موريتانيون.. وكنت الصحفي الموريتاني الوحيد الذي كان مشاركا.
وجهت لولد الشيخ عبد الله سؤالا، اقول فيه “يبدو ان ما حصل في البلاد يجسد انتصارا للقوة التي يمثلها الجيش علي الشرعية التي تمثلها بصفتك رئيسا منتخبا، والساحة السياسية الموريتانية تشهد تجاذبا، لا هوادة فيه، بين انصار الشرعية المطالبين بعودتها، وداعمي “القوة” المطالبين ببقاء سيطرتها على الحكم.. ،كلاهما يرفض حوار الآخر، مما يعني ان البلاد قد تكون ضحية ذلك.. فلماذا سيدي الرئيس لا تتحاوران من اجل اخراج البلاد من مأزقها”.
واتذكر ان السؤال لم يرق كثيرا لولد الشيخ عبد الله، الذي رد قائلا “ماذا يعني هذا الحوار؟..هل يعني أن اقبل نصف انقلاب او ثلثه أو ربعه.. اعتقد انه لا مندوحة من عودة الشرعية و إفشال الانقلاب”.
ولكنه بعد أقل من شهر كان حوار دكار!
في ذلك الحوار الهاتفي تحدث ولد الشيخ عبد الله بانجليزية رصينة.
خلال لقائنا بولد الشيخ عبد الله تكلم عن إدمانه على تصفحه “تقدمي”، كما ألمح الي انها كانت المصدر الذي استقى منه معلومات بوجود تحرك للعسكر من اجل حجب الثقة عن حكومة ولد الواقف (وهو الخبر الذي نشرته تقدمي قبل حدوثه بخمسة عشر يوما).
كما تحدث عن تأكده من معلومات نشرتها الصحيفة عن تنصت ولد عبد العزيز (قائد اركانه الخاصة حينها) على اتصالاته، بعد فترة من نشرها.
كما قال إنه “كان يخامره شك في نظرية التآمر عليه التي نشرتها في مقال لي بعنوان “هل تثير أكف السياسة الغبية زنابير الإرهاب؟”، ثم أردف قائلا “اما الآن ففي النفس شئ مما ورد في ذلك المقال”.
انتهى اللقاء، الذي كان ممتعا كثيرا، فذهبنا للسلام على السيدة الأولى خت بنت البخاري، التي كانت موضع تشهير وتشويه سمعة من طرف اعلام الانقلابيين، إلا أنها كانت عكس الصورة التي تم ترويجها عنها.. كانت غاية في دماثة الاخلاق، وكانت  في حديثها وتعليقها وابدائها لملاحظاتها بريئة الى حد الطفولة.. وكانت حريصة على أن تطمئن على صحة احمد ولد خطري (المدير السابق لصناديق القرض والادخار)، وعن حسن معاملتهم له في سجنه.. وقالت لي: أحس أنهم يعاقبونه على علاقته بنا.. ولكنهم ظلموه ان اتهموه بالفساد!
كانت صريحة في كرهها لولد عبد العزيز، وتؤكد أن الله سيمهله ولكنه لن يهمله.. وقد تذكرت كلمتها تلك حين قال لي احد اقاربي مؤخرا في اتصال عليّ من المدينة المنورة: ان العناية الإلهية ستنتقم لولد الشيخ عبد الله من كل من تآمروا عليه”.
وقال لي “ألا ترى؟!.. قتل القذافي شر قتلة.. وهزم واد شر هزيمة، ويبدو انه سيجرد وأبنه كريم من ممتلكاتهم.. و ساركوزي على اعتاب الهزيمة في الانتخابات المقبلة (كان ذلك قبل الانتخابات الفرنسية).. وروبير بورجي يواجه دعاوى امام المحاكم الفرنسية تقدم بها شيراك ودوفيلبيان.. ومحمد بوعماتو طريد الى المملكة المغربية تتربص به القاعدة و محمد عبد العزيز الدوائر.. ومحسن ولد الحاج فقد نفوذه، وتم تسخير وسائل الاعلام للتشهيره به، حتى سامه كل مفلس، فهذا ولد عمير يهاجمه في التلفزيون الرسمي.. و محمد الامين ولد الداده الذي صرح في جنيف ان ولد الشيخ عبد الله ليس سجينا سياسيا، يقبع الآن وراء القضبان.. وصديقه محمد ولد امين الذي كان بالغ الوقاحة حين يتناول ولد الشيخ عبد الله بالشتم والثلب طرد من بلاط عزيز، ثم آواه محمد ولد نويكظ الذي سرب مكاتيبه للمخابرات، فأقاله من عمله الاستشاري معه، ليبقى طريدا شريدا في منزل يصوح فيه البوم، وبريد الليل تم تهميشه بعد ان كان منظر الانقلاب، ومفتشية الدولة تطالبه الآن باعادة 22 مليون لخزينة الدولة، و ولد عبيد الرحمن عجوز سياسي أدرد، لم يزده تملقه لعزيز الا تهميشا، اولاده مطالبون دوليا في جرائم مخدرات، وزوجته التى آثرها على نانسي جردته من ممتكاته.. ونانسي عادت الى بريطانيا بعد أن أفلست “تافسكي”.. و ولد محم الذي يقسم عزيز انه لن يرشحه ثانية للنيابيات، ليس أحسن حالا.. و ولد الهادي اقيل إقالته المهينة من إدارة الامن.. وشيخنا ولد القطب الذي كان يشرف على تسجيل لقاءاته مع الوفود التي كانت تزوره خلال سجنه بقصر المؤتمرات اصيب في تفجيرات تنظيم القاعدة، فمكث اشهرا يتعالج في المغرب، ولا يزال يعاني مشاكل صحية”.
قلت له “إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لاتصيب هذه اللعنة الرئيس ولد عبد العزيز نفسه؟”.
فقال لي “لو انها أصابته في البداية لانتهى الأمر، ولم يعد هنالك معنى لأن تصيب بعده المتآمرين الصغار.. ثم الا ترى ما أصاب ابنه بدرا؟.. تأكد ان نهاية عزيز ستكون اسوأ من نهاية القذافي؟.. هذا مع ان عزيز لم يستتب له الحكم منذ تولى سدته.
قم اردف ممازحا “أدرك أنك علماني لا تؤمن بـ”التازبوت”، ولكن الله ينتصر للصالحين من عباده، ثم ان دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
قلت له: سأصدقك القول.. إنني ما طالعت صباحة وجه ولد الشيخ عبد الله، الا تذكرت رغم حسن سمته وهندامه، وشهرته وحسن صيته، ما جاء في الحديث الشريف “رب اشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره”.
من مدونة الكاتب حنفي ولد دهاه


0 التعليقات:

إعلان