ولد اوداع : بداية مشرقة وحسابات خاطئة دفعت لتعديل جزئي غير المسار (ملف)

في فاتح إبريل الجاري وضع رئيس الجمهورية حدا لمسار طويل من التكهنات وأنهى الجدل بشأن المستقبل الوظيفي ولو مرحليا لأحد أكثر مدراء شركة اسنيم إثارة للجدل على مر تاريخها حينما عينه وزيرا للمياه والصرف الصحي

وما هي إلا لحظات حتى أطلق عمال الشركة العنان لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي وكانت التدونة الأكثر اختصارا والأدق تعبيرا هي ما دونه المهندس الشيخ ولد باللعمش الذي غرد قائلا "الحمد لله".

 حمد يليق بجلال الله اختصر ما لا يمكن لجمل كثيرة أن تعبر عنه ولا أن توضحه، فهو حمد استودعه ولد باللعمش الكثير من عذابات العمال وأسرهم.

خمس سنوات امتدت ما بين شهر فبراير 2011 إلى فاتح إبريل 2016

تلك هي الفترة الزمنية التي قضاها محمد عبد الله ولد أوداع مديرا إداريا عاما لشركة الصناعة والمناجم اسنيم عملاق المناجم بموريتانيا، وهي فترة كانت حافلة بالنشاط السياسي في ولاية لبراكنه والوطن عموما.

خمس سنوات قضاها ولد اوداع يتصدر قائمة المال والأعمال بالولاية وفرض نفسه كواحد من عشرة رجال هم الأكثر ثراء في البلد حسب إحصائية تم نشرها في العام 2012 

خمس سنوات قضاها ولد أوداع يتصدر قائمة عناوين الصحافة المحلية والوطنية واستطاع الصمود خلالها في وجه هزات عنيفة ومتلاحقة غير أن صيحات النابذين له كانت تقابل في كل مرة بتأكيد من أعلى سلطة في البلد بأن الثقة في الرجل مطلقة وكان ذلك جليا في آخر لقاء يعقده رئيس الجمهورية مع أطر الولاية.

محطات بارزة

ولعل من الأنسب  تقديم عرض سريع لأبرز المحطات والأنشطة السياسية خلال الفترة الممتدة ما بين فبراير 2011 وفاتح إبريل 2016 والمتمثلة في الآتي:

الزيارة الرئاسية المشهورة التي أداها رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في إبريل من العام 2012 في خضم الحراك السياسي المتأثر بثورات الربيع العربي والذي تجلى في رفع القوى السياسية المعارضة لشعار الرحيل كمخرج وحيد من الأزمات التي يعيشها البلد.

الحراك السياسي المكثف الذي استمر لأكثر من شهرين إبان مرحلة المشاورات الهادفة إلى اختيار مرشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.

الانتخابات النيابية والبلدية المنظمة أواخر العام 2013 والتي استمرت حملاتها الدعائية قرابة شهرين بعدما تم تأجيل موعد الشوط الثاني منها نتيجة بطء إجراءات توفير بطاقات التصويت وطول الوقت الذي استغرقه إعلان النتائج النهائية للشوط الأول.

الزيارة الرئاسية التي شهدت تدشين مصنع الأعمدة الكهربائية ومدرسة الأشغال العمومية في الثامن والعشرين من مايو 2014

الانتخابات الرئاسية المنظمة في يونيو 2014

كما شهدت الولاية أنشطة ثقافية عديدة منها ما كان يكتسي طابعا وطنيا ومنها ما أخذ طابعا محليا بحتا ولعل أبرزها مهرجان أفراح النهر المنظم في مدينة بوكى 2013 ومهرجان ألاك للثقافة والفنون بنسختيه الأولى والثانية وتخليد ذكرى مؤتمر ألاك المنظمة في الثاني من مايو 2014 وبطولات رياضية عديدة بالإضافة إلى مبادرة ألاك للكشف عن الممارسات الاستعبادية ومخلفات ظاهرة الاسترقاق والتي جرت بحضور أربعين عمدة.

فترة السيطرة والنفوذ

وخلال هذه الفترة شاركت المجموعة السياسية للرجل بفاعلية في مختلف الأنشطة السياسية بشكل خاص خصوصا في المرحلة الأولى من حقبته على رأس عملاق المناجم حيث تشكل حلف سياسي عريض للرجل في مقاطعة ألاك امتد في بداياته إلى مقاطعات الضفة عبر بوابة اتحادي الحزب محمد ولد اجهلول الذي كان يكن كامل الولاء في تلك الفترة لمحمد عبد الله ولد أوداع، وترسخ وجوده السياسي في المقاطعة المركزية عبر رئيس قسم المقاطعة في الحزب الذي يشغله المصطفى ولد أوداع، وكان وجود الرجل السياسي يزداد رسوخا ويتسع عموديا وأفقيا في الولاية نتيجة العلاقة الوطيدة بين المدير ولد أوداع وقائد الاستخبارات العسكرية آن ذاك اللواء محمد ولد مكت ونتيجة المال السياسي المتدفق بغزارة من عملاق المناجم حيث تصادفت تلك الحقبة مع ارتفاع صاروخي لأسعار الحديد في السوق العالمي، فتكفل اللواء مكت بتذليل كافة العقبات المحلية والوطنية أمام النفوذ السياسي المتزايد لولد أوداع وتكفل المال السياسي بإكمال المهمة على الوجه المطلوب.

المهادنة النسبية 

كان طموح ولد أوداع يقوده في تلك الفترة إلى بسط كامل النفوذ على المقاطعة عبر بوابة اللواء وعبر بوابة المال وكان من بين المناوئين لحلف الرجلين آن ذاك مختلف الأطراف الفاعلة في مركز مال الذي كان خارج سيطرتهم بشكل شبه كامل، كما كان السفير الأسبق سيدآمين ولد أحمد شلا رجل ألاك القوي الذي استعصى على الترويض واستطاع الصمود لأكثر من سنتين إلى جانب الغريم والخصم اللدود سيدي المختار ولد الشيخ عبد الله، فيما كانت جبهات الداه ولد عبدي وأهل الشيخ القاضي وبعض الأطراف في بوحديده قد اختارت طريق المهادنة النسبية والإبقاء على شعرة معاوية في انتظار لحظة الجد والحسم "التحضير للانتخابات النيابية والبلدية".

تعديل "جزئي" غير المسار

ومع الوقت واتساع النفوذ ودخول أطراف سياسية عديدة في مال وجلوار إلى الحلف المسيطر في المقاطعة عبر بوابة اللواء محمد ولد مكت واستمرار ارتفاع أسعار الحديد وربط صلاة وثيقة بين ولد أوداع وشخصيات سياسية مؤثرة في المشهد الوطني من بينها السيدة الأولى تكيبر منت النور وسيدي محمد ولد محم وعيش فال منت فرجس حاول ولد أوداع إجراء "تعديل جزئي" في قيادة حلفه المحلي يتم بموجبه تحويل مكانة اللواء مكت من شريك فاعل ومؤثر إلى تابع يستشار عند الضرورة وعون يؤمر عند الحاجة (فأسرها اللواء في نفسه ولم يبدها له..)

وقد دفع التصرف الجديد ولد مكت إلى تشكيل حلف مستقل في شكار يتخذ مسافة شبه متساوية من مختلف الجماعات إلى أن تمكن من ضم حلف مال إليه وكذا الجماعة السياسية التي فازت لاحقا بمنصب عمدة بوحديده بدعم قوي ومباشر منه مع تواجد لا بأس به في دار النعيم ومدينة ألاك فضلا عن أدنش وبو قبرة والواد القارك وهي قرى تتبع إداريا وسياسيا لبلدية أغشوركيت.

كان التأثير الذي نجم عن القرار جليا وواضحا على مسار الحلف الذي بدأ يتفكك مع نهايات العام 2013 ليظهر في شكل جماعتين رئيستين "حلف شكار" وجماعة "أوفياء ألاك" وهو ما ينعني انحسارا واضحا لوجود المدير الذي تقلص فجأة من حالة الامتداد إلى مقاطعات الضفة إلى انكماش وانحسار في قلب ألاك تجلى في التسمية الجديدة "أوفياء ألاك"، وكان لافتا أنه ومع بداية التفكك ظهرت معطيات جديدة في الساحة تجلت في تنظيم مبادرة يدا بيد ومبادرة أمل الدشرة وظهور كيانات سياسية جديدة أخرى مع اختلاف في أحجامها وتأثيرها.

كان واضحا من البداية غياب أي اهتمام للرجل بدعم التظاهرات الرياضية والثقافية في الولاية عموما والمقاطعة المركزية خصوصا فغاب عن مهرجان أفراح النهر كما غاب عنه جميع السياسيين في مقاطعة ألاك وظهر بشكل خافت في النسخة الأولى من مهرجان ألاك للثقافة والفنون وهي النسخة التي طغى عليها حضور سيدآمين، فيما غاب عن بقية التظاهرات الثقافية وقاطع جميع الأنشطة السياسية والاجتماعية وكان آخرها مبادرة ألاك لكشف ممارسات الاستعباد ومخلفات ظاهرة الاسترقاق.

إنجازات

ظل أوداع خلال السنوات الماضية يبتعد شيئا فشيئا عن الساحة المحلية واقتصر تمثيله على المصطفى ولد أوداع الذي يدفع به للمناسبات الرسمية الكبرى مع ظهور لافت لأنشطة جماعته في الزيارات الرئاسية، وظل يعتمد على حلفائه الوطنيين وهو ما أوجد انفصاما بينه مع مختلف النخب المحلية التي اختار الصدام والمواجهة طريقا وحيدا للتعامل معها كما ظل بعيدا عن اهتمامات السكان وحياتهم اليومية

أما الإنجازات فتمثلت في توفير مضخات للمياه أثناء الحملات الانتخابية مع حفر بئر في ضواحي بلدية بوحديدة، و إيجاد فرص عمل غير دائمة في الشركات العاملة مع اسنيم لعدد من شباب أغشوركيت فضلا عن إنشاء مصنع للأعمدة الكهربائية بألاك تخلت عنه شركة اسنيم لاحقا لصالح شركة الكهرباء.

الثورة تأكل أبناءها

وتميزت الفترة الأخيرة له في إدارة شركة اسنيم بانشقاق تيار أطر الاتحاد الذي يضم أبناء الكوري ولد أوداع في عملية أثارت جدلا واسعا في الساحة المحلية وتضاربت الروايات حول أسبابها، غير أن المؤكد هو سعي الرجل بعد ذلك لتصفية حساباته مع نجل الكوري ولد أوداع الشيخ ابراهيم عبر فصله من وكالة التضامن، وسبق أن فعل الشيء ذاته مع زوج شقيقته الإطار محمد عبد الله ولد محمد اطفيل الذي تم فصله من عمله قبل أكثر من سنتين من مؤسسة رسمية كان يتعاقد معها.

وتزامن انشقاق تيار الأطر مع انشقاق الإطار السياسي البارز ماحي ولد عمر ولد سيدي الذي يحسب عليه العمدة المساعد لبلدية ألاك.

المناصب الانتخابية

وتنحصر المناصب الانتخابية المحسوبة عليه في مقاطعة ألاك في الآتي:

منصب عمدة أغشوركيت: وقد استطاع الحصول عليه بنسبة تقدر بـ52% في الشوط الأول من الانتخابات

أحد المقعدين المخصصين لمقاطعة ألاك في البرلمان وحصل عليه في الشوط الثاني بنسبة تقدر بـ57%

أبرز الأوجه

وهكذا غادرة محمد عبد الله شركة اسنيم ليتربع على عرش المياه والصرف الصحي وهو لا زال يحافظ على مجموعة سياسية محلية تحظى بثقة النظام ومن أبرز قادتها:

المصطفى ولد أوداع: ابن عمه

ادن ولد البار : نائب مقاطعة ألاك

محمد محمود ولد حيبلا : عمدة أغشوركيت

محمد سالم ولد خليل: وجيه وناشط سياسي

الحسن ولد جابر: وجيه وناشط سياسي

كما أن له صلة وثيقة بالسفير عيداهي ولد الشيخ القاضي كحليف وشريك وحيد في المقاطعة، كما لا يزال يحتفظ بعلاقة محدودة مع مدير الأمن الوطني اللواء محمد ولد مكت رجل النظام القوي في مقاطعة ألاك. 

ويبقى السؤال المطروح: هل سيجد ولد أوداع فرصة لمراجعة علاقاته بمختلف الجماعات السياسية بالمقاطعة وهل ستوفر المياه والصرف الصحي ما عجزت عنه اسنيم؟

تصنيف : الأخبار