الشاعر سعد الهادي |
قال الشاعر الشيخ سعدبوه المعروف
"بسعد الهادي" إنه لم يكن من ضمن أحلامه مطلقا أن يكون شاعرا، وحتى لو
كان قد حلم بشيء من ذلك أيام كان في المحظرة فإنه اكتشف في العام 2008 أن الشعر
ليس هو كل شيء، بل إنه أحيانا لا يكون أي شيء.
ورأى سعد الهادي أنه قد لا يكون من الأنسب
في هذه الحقبة الاهتمام بالشعر وما إليه، فالشعر في رأي كان ديوان العرب
وتلفزيونهم وحتى "إنترنتـهم" لكنه اليوم لم يعد كذلك.. وأرى أنه لا
حاجة لبذل المزيد من الوقت فيه".
وقدم سعد الهادي المولود في بلدية صنغرافة
نفسه في مقابلة مع موقع الوطن، قائلا: "أنا كما أنا.. إنسان بسيط جدا، يضحك
ويبكي، يحب ولا يكره، يحيى لله أولا ً، وللإنسان ثانيا، ولنفسه أخيرا.."،
مضيفا أنه ليس "ككل الناس وإن كنت كذاتي.. نشأت في بيئة خاصة.. عشقتُ فيها
الخبزَ والجمال وأغاني السماء..".
إلى المقابلة:
الوطن: من هو الشيخ سعد بوه أو سعد
الهاد؟
سعد الهاد: أنا كما أنا.. إنسان بسيط جدا
يضحك ويبكي يحب ولا يكره، يحيى لله أولا ً وللإنسان ثانيا ولنفسه أخيرا..
لست ُ ككل الناس وإن كنت كذاتي.. نشأت في
بيئة خاصة.. عشقتُ فيها الخبزَ والجمال وأغاني السماء..
قرأت مستقبلي وأنا أضع أولى قدماي على
عتبة القسم الأول في ابتدائية بلدية صنغرافة.
عايشتُ هنالك فصولا من العبث
"الشعري" وألاعيبِ القدر.. وكـبُـرت وأنا اشعر أن لي مستقبلا ًعليَّ أن
أعد له العدة من تلك اللحظة.
حافظت على الرقمين (واحد واثنان) لمدة ست
سنوات هي سنوات طفولتي في ابتدائه "صنكرافه" الغرْبـِيـة؛ بعدها مباشرة
ً قررت السفر للمحظرة بعيدا عن جو المدينة وأحلام المراهقة.
وهنالك بدأت قصة ً أخرى.. أجمل ما فيها أنها
حققت أمنيات والدتي بحفظ القرآن والحصول على إجازات عالية فيه.
وبالفعل حصلت على ثلاث إجازات في
القرآن الكريم في قراءة نافع ورواية حفص عن عاصم.
ثم إجازة "متريز" في
الدراسات الإسلامية، وشهادة ليسانس في القانون الخاص قسم الأعمال التجارية من
جامعة نواكشوط.
قبل أن ألتحق بالمملكة المغربية لإكمال
دراساتي العليا في جامعة القرويين.
أحلامي لم تكن مطلقا أن أكون شاعرا
وربما كنت أيام المحضرة أحلم بشيء من ذلك؛ لكن هذا الحلم ما لبثَ أن تبخر عندما
اكتشفت في العام 2008 أن الشعر ليس هو "كل شيء" بل أحيانا لا يكون
"أي شيء" وقد لا يكون من الأنسب في هذه الحقبة أن اهتم بالشعر وما إليه.
فالشعر في رأيي كان ديوان العرب
وتلفزيونهم وحتى "أنترنتـهم" لكنه اليوم لم يعد كذلك.. وأرى أنه لا حاجة
لبذل المزيد من الوقت فيه.
هواياتي علوم الحاسوب
والأنترنت.. وقد بدأت رحلتي مع هذا الكائن في العام 2005 عند ما كانت موريتانيا
كلها بطولها وعرضها مقتصرة على مقهيين اثنين للانترنت أحدهما في سوق العاصمة
والآخر في مقاطعة تفرغ زينة.
هنالك اكتشفت جزءاً من ذاتي وهو أني هاوٍ
حد "الغرام" لهذا الكائن الغريب وأرى ذاتي فيه تتكشفُ يوما بعد يوم..
بدأت علاقتي بالحاسوب تتوطد.. حتى صرت
قارئا نهما ومتابعا بكل شغف لما يكتب ويترجم في علوم البرمجة وتطوير البرمجيات
والمصادر المفتوحة..
وبدأت مشروعي الخاص في تصميم وبرمجة
وتطوير المواقع الالكترونية، إضافة إلى اهتمامي بمتابعة عالم البرامج الإلكترونية
خاصة برامج الحماية وتشفير وفك تشفير البيانات..
قررت أن أدخل هذا العالم من أحد أبوابه،
فافتتحت شبكة موريتانيا اليوم أول موقع موريتاني يستخدم خدمات جوجل الإشهارية في
الوصول إلى الزوار.
كما حرصت في أن يظهر الموقع بشكل مختلف عن
الطريقة المملة التي يمارسها إعلامنا.. فأحدثنا برامج تفاعلية مثل "أمام
المايكروفون" وبرنامج "شهادتي" وهذه حياتي وخصصنا نسبة 30% فقط
للأخبار السياسية..!
بموازاة ذلك أهتم بمجال التسويق
الالكتروني Internet marketing والعمل عبر الانترنت وكل أحلامي أن أشاهد موريتانيا وهي تتقدم في هذا
العالم الجميل وما يتعلق به، حتى تتسمى ببلد المليون "مبرمج" بدل
"المليون شاعر".!
الوطن : ماذا عن تجربتك الشعرية.. البدايات؟
وما هو سر العلاقة "المتشجنة" بلقب الشاعر؟
سعد الهاد: بدايتي مع الشعر ككل البدايات،
فنحن الموريتانيون نقرض الشعر ـ بمفهومه الواسع ـ سجية وطبعا.. لكنْ في نظري:
الشعر ليس ذلك الكلام الموزون المقفى الدال على معنى يدركه الجميع.
إنما هو تصوير للحظة شاعرية يراها الشاعر
فيصورها "بكامرته" الشعرية لتخرج قصيدة جميلة أو قبيحة بحسب طريقة
التصوير والتَّـوْفيق في اختيار الزاوية المناسبة..
ومن هذا المنطلق لا أعتبر أن ما نقرضه في
موريتانيا شعرا ـ بالضرورة ـ إنما هو في الغالب قصائدٌ أعدت بطريقة
"علمية" كما يعد أحدنا وجبة الفطور الخاصة به.
وهذا في رأيي بعيدٌ جدا من الشاعرية وهو
أقرب ما يكون إلى "التشاعر" إن صحت التسمية!.
وبهذا المعنى.. بدأت قرض الشعر في 2005
عند ما كنت بالمحظرة لكن سرعان ما أدركتُ أني أسير في طريق غير صحيح فغيرت وجهتي
عن الشعر والشعراء، وقررت التوقف عن الكتابة الشعرية في 2008.
غير أني ما لبثت أن وجدتني من حين
لآخر أصورُ "شيئا" وأعبر عن لحظات خارج نطاق الحس، وكنت افعل ذلك وأنا
أحاول أن لا أغير رأيي المتمثل في الابتعاد عن كتابة الشعر لكن هذا الشيء (الشعر)
لم يستأذني، ومع ذلك لا زلت عند رأيي ولن أرضي لنفسي أن تتقزم في لقب بسيط.
فمجتمعنا للأسف لا يؤمن بالنسبية في
الأمور.. ويعيش على تأثير الألقاب.. لهذا أنا أخاف أن تتقزمَ شخصيتي
وتحصر في لقب "شاعر". ذات الشيء مع لقب "صحفي" فعلى
الرغم من أني مهتم بالإعلام وأمارس الصحافة كوظيفة وكفن إلا أنني لا ارغب ولا أرضى
لنفسي أن تحمل لقب "صحفي" أو "شاعر".. وأشعر أنهما
"مبتذلان".
في ذات السنة التي توقفت فيها عن
كتابة الشعر شاركت في الموسم الثالث من أمير الشعراء، وتم الاتصال بي حينها لكن
لأسباب ـ لا زلت اجهلها ـ لم تتح لي فرصة مقابلة اللجنة.
وقد أتيحت لي فرصة مقابلة اللجنة في هذا
الموسم وتمت إجازتي بشرف والحمد لله.
وبالفعل قد تكون هذه الفرصة مناسبة لأقول
فيها ـ يوما ً ما للشعر ـ وأنا اكتسي لبوس الاعتذار: ورجعتُ ما أحلى الرجوعَ إليهِ..
الوطن: ماذا عن قصة أمير الشعراء؟ وعن
تأثير الغربة على تطور فلسفتك الشعرية؟
سعد الهاد: الغربة هي اللحظات التي تشعرك
بالوطن وأنت خارجه، تشعر فيها أنك قريب منه رغم البعد.. وتدرك فيها موقعك الحقيقي
داخل دائرة الوطن.
وليس بالضرورة أن تكون هذه الغربة هي غربة
الخارج، فأحيانا تكون غريبا ًداخل وطنك وهذا ما عشته بالفعل.
فمن العام 1999 وأنا بعيدٌ عن الأهل
والعائلة وأعيش في غربتي التي لم تزدد سوى تغربا ًوتغربا... بعد خروجي عمليا ً
للوطن منذ سنتين.
في أول عودة لي إلى موريتانيا أدركتُ أن
الغربة الحقيقية هي غربة الوطن، فهناك تجد نفسك غريبا ومغتربا.. حيث لا حقوق ولا
أمن.. لا شيءَ على الإطلاق يجعلك تحلم بمستقبل أفضل داخل وطنك "المفترض".
ورغم وجودك بين أهلك وزملائك تشعر دائما
أن الوطنَ ضيق رغم سعته، بخيلٌ رغم َ سخائه، وسطحي رغم عمقه وامتداده.. وأن
"الغربة" التي كنتَ تعتبرها غربة "هي وطنك الآن".. وهذه
مفارقة عجيبة ٌومحزنة في آن معا..
أما عن تأثير الغربة على الفلسفة
الشعرية؛ فأنا أرى أن الشعر صديق الغربة وكل مغترب شاعرٌ في داخله.. ربما يعبر عن
لحظاته الشعرية في شكل قصيدة وربما في أشكال أخرى تكون أحيانا قصة وأحيانا رواية.
الوطن: نود أن تتحفوا القراء الكرام
بمقطع من القصيدة التي شاركتم بها في أمير الشعراء
سعد الهاد: القصيدة بعنوان بوح أحمر
وسأختار للقراء مقطعين منها:
بوحٌ تمردَ في الفضاء الباكي ها قد أتيتُ
وليسَ بـي إلاك..
بوحٌ تمردَّ، فاستقر به النوى حيثُ الجوى
ومرارة الأشواك
قامت
تغني في لبوسي خلسة ً يا ويلتاهْ ؛ مــــن الغنًا الفتـــاكِ..
وتهافتت تحبو لــحلم زائـــف
أو ما حــلــمــت بأنني أهــــواك؟
أوَ مَا حلمــت بأن حبي دائــمٌ
لا ينتــــــهي.. ومآله عيناكِ
ما عدتُ أنكرُ يا فضائي يا أنا
أني عشـــقـتُ من الدُّنا يُمــناك
أنا ما هجــرتُ وما سلوتُ وما أنا
إلا غـــــــريبٌ حلــــــمُه لقيـــاك
يا درتي.. مالي أراك حــــزينة ً
لكـأنني ما غبتُ فــــي مَمْساك
سبحن من سواك شعرا ناطقا
وقوافيا؛ سبـــــــحن من سواك
أنا لستُ غيرَ حكاية مشبــوبة
بالحــب؛ تسري في عروق “يداك”
أنا لحـــظة للعشق ليستْ تنتهي
وقصـــــــيدة توحى على عيناكِ
فتبسمي حبا ً وعودي للهوى
كيـــــما أفوزَ بحظوة المسواك
أنا وائـــــدٌ للحب لستُ بئايب
إلا إليـــك؛ وليـــس لـي إلاك
مكتوم سري بوحُ نسر ثائر
لا ينتهي إلا إلى عيــناكِ
وقصــائــدي بناتُ جرح نازف
ليلٌ يتيه ُ بمعقل الأشـــــواك
يا روضـــة ً للعاشقين تسلقيْ
نحوي، فنحوي ملجأ الأملاك
الوطن: جميل هذا الشعر شكرا لكم الشاعر
سعد الهاد ونتمنى لكم ولرفاقكم كل التوفيق.
سعد الهاد: شكرا لكم على هذه السانحة
ومزيدا من الألق.
0 التعليقات: