معالم من التاريخ: مؤتمر ألاك

مقال مترجم من الفرنسية
 لكاتبه محمد عبد الله ولد الحسين

إن تاريخ بلد ما هو سلسلة أحداث متتابعة تواكب تطوره هو كذلك الأماكن التي تدور فيها هذه الأحداث لأنها على مر السنين تصبح شاهدا عليها.

والتاريخ هو فضلا عن كل ما سبق الرجال الذين بفضل جهودهم وقاماتهم السامقة يستطيعون وضع خاتمهم الشخصي على مسيرة الأحداث فلا تستطيع الأيام النيل منه.

إن الحدث الذي نحن بصدد الحديث عنه هو مؤتمر ألاك والمكان هو المنزل الذي احتضن ذلك الحدث أما الحاضن فهو الذي بدعم من كل مجموعته كان الحاضن للمؤتمر والمهيأ له والقيم عليه.

إن أهمية هذا المؤتمر المسمى مؤتمر الوحدة, لم تعد خافية على أحد, لقد شكل بالفعل الفرصة الأولى لشخصيات هذا البلد الذي لم يعد بعد جمهورية, شخصياته المرجعية ومناضليه ومنتخبيه ومواطنيه البسطاء للقاء وتبادل الأفكار والآراء.

كان ذلك يوم 02 مايو المصادف ليوم الجمعة حين اختتمت أعمال المؤتمر ولعل اختيار ذلك اليوم لم يكن صدفة لما يحظى به من قداسة فهو يوم صلاة ودعاء ويوم تنجز فيه جليل الأعمال.

وبمرور الوقت يتبين للمراقب صعوبة هذه المهمة مهمة تنظيم هذا اللقاء الوطني فلم يكن من اليسير استقبال هذا الحشد الكبير من شخصيات قادمة من آفاق مختلفة بخلفياتها الاجتماعية والفكرية المتعددة.

غير أن الأغرب من هذا هو النضج السياسي الذي أبان عنه المشاركون ويتجلى ذلك في أهمية النتائج المتوصل إليها ونذكر منها:

 إنشاء حزب التجمع الموريتاني باندماج حزبي UPM وl’Entente  ومد اليد للتشكيلات السياسية الأخرى.

 التلميح للمرة الأولى إلى الدعوة إلى الاستقلال الوطني رغم الإبقاء على الاستقلال الداخلي.

 التأكيد على الوحدة الوطنية بتوحيد التعليم واستلهام الروح الإسلامية في العدالة بإلغاء نظام الضرائب المميز بين الموريتانيين البيض وإخوتهم السود والذي وضعه المستعمر وتكتم عليه.

 الموقف الصريح المعادي للاستعمار برفض الانضمام للمنظمة المشتركة للمناطق الساحلية كما دعا فرنسا إلى تحرير الجزائر.

بالنظر إلى هذه النتائج يمكننا القول دون محاباة إن مؤتمر ألاك شكل بالفعل بداية المخاض لهذا المولود الذي سيولد بعد 940 يوما أي صبيحة الـ28 نوفمبر 1960.

لقد شكل تنظيم هذا المؤتمر تحديا كبيرا لمدينة ألاك التي لم تكن وقتها إلا تجمعا بدا يتأسس مع السنوات الأولى لدخول الاستعمار.

تم اختيار ألاك لعوامل عديدة منها الموقع الجغرافي غير أن منها كذلك كون السيد محمد المختار معروف بن الشيخ عبد الله أحد أبنائها البررة وقد تطوع للمهمة فكان عند حسن الظن .

وإذا كان تواضع السيد معروف جعله يعتبر أن نجاح المؤتمر كان نجاحا لمجموعة "إجيجب" كلها بمختلف مكوناتها فإنه بدهي أن هذا النجاح ما كان ليتم بدون وجود شخصية ذات مكانة اجتماعية وسياسية مثل السيد معروف.

وقد أشار الرئيس المختار ولد داداه إلى جسامة التحدي في لقاء له مع زميله السابق على مقاعد الدرس بأشهر قليلة قبل رحيله إلى الدار الأخرى حين قال: إن قبولكم لاحتضان ذلك المؤتمر كان رهانا حقيقيا وأضاف لقد صاحبتنا بركة عظيمة.

لقد تحول الجزء الشمالي من بلدة ألاك إلى مخيم كبير مكون من صفين طويلين من الخيام وكان لا بد من تنظيم محكم ومنهجي لتسيير هذه العملية والعناية بالآلاف من الضيوف الوافدين من خارج الولاية وداخلها. فتم تقسيم أفراد جماعة "إجيجب" إلى مجموعات صغيرة حسب التقسيم القبلي المعروف وأوكلت إلى كل مجموعة العناية بمجموعة من الضيوف.

هنا في هذا المخيم الكبير استمرت الأفراح والاحتفالات طيلة أيام المؤتمر فقد كاد يتحول إلى مسرح كبير يعتليه الشعراء والمغنون والراقصون غير أن الجانب الهام من المؤتمر كان يدور هناك في منزل السيد معروف حيث كان ينزل الضيوف الرئيسيون وحيث تقام جلسات اللجان المتعددة.

وغني عن القول إن النجاح الكبير لمؤتمر ألاك كان له الدور الحاسم في إرساء التوافق الذي حصل بين النواب وأعضاء الحكومة وأعضاء المجلس التنفيذي للحزب وفي تشريف السيد معروف بن الشيخ عبد الله برفع أول علم للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وقد أشار إلى هذا التشريف الكاتب اللبناني يوسف مقلد في كتابه المعروف حول موريتانيا... ومع عودة المؤتمرين إلى مرابعهم بدأت أصداء نجاح المؤتمر تعم أجزاء البلاد وبدأ صيت بطله يلج إلى كل مسمع, تتناقله الأجيال التي واكبت تلك الحقبة والأجيال اللاحقة.

وهذا الرئيس السابق معاوية ولد الطائع يحرص على نداء معروف بـ"السيد الوزير" إشارة إلى فترته وزيرا للدفاع... وقد خصصت مجلة الجيش في عددها 29 لشهري 10و11 بعض صفحاتها للحديث عن الوزير السابق للدفاع السيد محمد المختار معروف مستشهدة ببعض ما كتبه المختار ولد داداه عن معروف وجاء في ما كتب (لقد لعب محمد المختار الملقب معروف دورا هاما طيلة هذه الفترة سواء بوصفه عضوا في الجمعية الإقليمية أو الجمعية المنتخبة أو وزيرا لمختلف القطاعات, كان يعتني بعمله عناية فائقة ويقوم بالمهام الموكلة إليه أحسن قيام وآخرها السفارة في تونس حين حدث انقلاب 1978. لقد كان شخصية دينية وروحية كما كان رجلا كتوما يستطيع أن يحتفظ لنفسه بكل ما أودع له. كان رزينا يقوم بمهامه بجد خلال النقاشات الحاسمة مثل إنشاء الحزب الواحد أو أحداث فبراير 1966 تصرف تصرف المسؤول الحقيقي..).

ولعل الأستاذ المختار يشير إلى حدثين هامين:- الدور الحاسم الذي لعبه معروف وهو يومئذ نائب رئيس الجمعية التأسيسية في التقارب بين الرئيس المختار رئيس الحكومة و سيدي المختار انجاي رئيس الجمعية, فقد استطاع معروف أن يقرب وجهات النظر المتباعدة لصديقيه حول مجموعة من القضايا المطروحة آنذاك ومن أهمها قضية الانضمام لفيدرالية مالي التي كان المختار يعارضها بشدة في حين كان سيدي المختار انجاي من المتحمسين لها وقد كان لهذا التقارب بين تينك الشخصيتين الوطنيتين كبير الأثر في تهيئة الظروف الملائمة للسير نحو الاستقلال الوطني.

ظل معروف طيلة مسيرته المهنية يدعو إلى التفاهم والوحدة والوئام بين كافة مكونات شعبنا وهكذا تطوع أثناء الأحداث العرقية التي هزت أركان البلاد سنة 1966 بالعمل حاكما لدائرة سيلبابي وقد احتفظ أهل كيديماغا بذكريات طيبة عن الرجل الذي كانوا ينادونه بـ"ماروفا" تحببا.

والآن وبعد مضي نصف قرن على مؤتمر ألاك ما زالت الذكرى شامخة تثبت أهمية الحدث في مسيرة الشعب الموريتاني إلى الاستقلال التام, وما زال الرجل, بطل المؤتمر كما هو ورعا متواضعا, عطوفا مضيافا.

حتى المنزل الذي احتضن جلسات المؤتمر لم تستطع السنوات الخمسون النيل منه فما زال شامخا كأنه يباهي المنازل المجاورة له لجلال ما خصه به التاريخ .

لقد حرص مالكه على الاحتفاظ به كما كان تكريما للذكرى فما زالت جدرانه الطينية السميكة كما كانت وكذلك الأقواس والغرف والساحة الموجودة قبالته لم يتغير إلا نوع الطلاء الخارجي.

نعم هو نفس المنزل وهو من الأماكن النادرة التي استطاعت مقارعة الزمن فبقيت على حالها تحملك وأنت تدخلها إلى عالم التاريخ إلى عالم الأحداث الجسام... ويبقى المنزل مفتوحا على مصراعيه لاستقبال مهام أخرى وندوات وحوارات جديدة في انتظار الاعتراف به كتراث وطني..

تصنيف :